للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيبرس بذلك، فلما صارت المملكة إليه بعد قتل الملك المظفر قطز اشتمل على اعتقاده، وقرّبه وبنى له زاوية بجبل المزة، وزاوية بظاهر بعلبك. وزاوية بحماة، وزاوية بحمص.

وهذه الزاوية خارج القاهرة، ووقف عليها أحكارا تغل فى السنة نحو ثلاثين ألف درهم، وأنزله بها، وصار ينزل إليه فى الأسبوع مرة أو مرتين، ويطلعه على عوامض أسراره، ويستشيره فى أموره، ولا يخرج عما يشير به، ويأخذه معه فى أسفاره، وأطلق يده وصرفه فى مملكته، فاتقى جانبه الخاص والعام، حتى الأمير بدر الدين بيلبك الخازندار نائب السلطنة، والصاحب بهاء الدين علىّ بن حنا، وملوك الأطراف، وكان يكتب إلى صاحب حماة وجميع الأمراء إذا طلب حاجة ما مثاله الشيخ خضر نياك الحمارة.

وكان ربع القامة كث اللحية يتعمم عسراوى، وفى لسانه عجمة مع سعة صدر، وكرم شمائل، وكثرة عطاء من تفرقة الذهب والفضة وعمل الأسمطة الفاخرة، وكانت أحواله عجيبة، لا تتكيف، وأقوال الناس فيه مختلفة، منهم من يثبت صلاحه ويعتقده ومنهم من يرميه بالعظائم. وكان يخبر السلطان بأمور تقع، منها: أنه لما حاصر أرسوف وهى أول فتوحاته قال له: متى نأخذ هذه المدينة؟ فعين له يوما يأخذها فيه، فأخذها فى ذلك اليوم بعينه. واتفق له مثل ذلك فى فتح قيسارية، فلذلك كثر اعتقاده فيه.

ثم قال: وما برح على رتبته إلى ثامن عشر شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة، فقبض عليه واعتقل بقلعة الجبل، ومنع الناس من الاجتماع عليه. ويقال إن ذلك بسبب أن السلطان كان أعطاه تحفا قدمت من اليمن منها كرّ يمنى مليح إلى الغاية، فأعطاه خضر لبعض المردان، فبلغ ذلك الأمير بدر الدين الخازندار النائب، وكان قد ثقل عليه بكثرة تسلطه حتى قال له مرة بحضرة السلطان: كأنك تشفق على السلطان وعلى أولاده مثل ما فعل قطز بأولاد المعز، فأسرها فى نفسه وبلّغ خبر الكرّ اليمنى إلى السلطان، فاستدعاه وحضر جماعة وافقوه على أمور كثيرة منكرة كاللّواط والزّنا ونحوه، فاعتقله ورتب له ما يكفيه من مأكول وفاكهة وحلوى.

ولما سافر السلطان إلى بلاد الروم، قال خضر لبعض أصحابه: إن السلطان يظهر على الروم ويرجع إلى دمشق، فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما. فكان كذلك، ومات خضر فى محبسه بقلعة الجبل فى سادس المحرم أو سابعه من سنة ست وسبعين وستمائة، وقد أناف