للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على لطائف ومحاورات ومدائح نظما ونثرا، لو جمعت كانت مجلدا ضخما، وكناه السيد أبو الأنوار بن وفا بأبى الفيض، وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف، ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال، مع بقاء سكنه بخان الصاغة، وشرع فى شرح القاموس حتى أتمه فى عدة سنين فى نحو أربعة عشر مجلدا سماه تاج العروس، ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية، وذلك فى سنة إحدى وثمانين ومائة وألف، وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه فى علم اللغة، وكتبوا عليه تقاريظهم نظما ونثرا.

ولما أنشأ محمد بيك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر، وعمل فيه خزانة الكتب، واشترى جملة من الكتب ووضعها بها، أنهوا إليه شرح القاموس هذا، وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها، وانفردت بذلك دون غيرها، ورغبوه فى ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة ووضعه فيها، ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى فى درج المعالى، ويحرص على جمع الفنون التى أغفلها المتأخرون كعلم الأنساب والأسانيد، وتخاريج الأحاديث، واتصال طرائق المحدثين المتأخرين بالمتقدمين، وألف فى ذلك كتبا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة، ثم انتقل إلى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم أفندى، بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفى، وذلك فى أوائل سنة تسع وثمانين ومائة وألف، وكانت تلك الخطة إذ ذاك عامرة بالأكابر والأعيان، فأحدقوا به وتحبب إليهم، واستأنسوا به وواسوه وهادوه، وأتوا إلى زيارته من كل ناحية، ورغبوا فى معاشرته لكونه غريبا، وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم، ويعرف باللغة التركية والفارسية وبعض لسان الكرج، فانجذبت قلوبهم إليه، وتناقلوا خبره وحديثه، ثم شرع فى إملاء الحديث على طريقة السلف فى ذكر الأسانيد والرواة والمخرجين من حفظه على طرق مختلفة، وكل من قدم عليه يملى عليه الحديث المسلسل بالأوّلية، وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه، ويكتب له سندا بذلك، ثم إن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة، فقال: لا بد من قراءة أوائل الكتب، واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس تباعدا عن الناس، فشرعوا فى صحيح البخارى بقراءة السيد حسين الشيخونى، واجتمع عليهم