للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه بستانا زرع فيه أصناف الأشجار، ثم لما توفى السيد محمد أفندى تولى المترجم مشيخة السجادة، وتولى نقابة الأشراف السيد عمر مكرم الأسيوطى، فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم، وخرج السيد عمر مع من خرج هاربا من الفرنساوية إلى بلاد الشام، وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم، وأنهم غصبوها منه، فقلدوه إياها، واستولى على وقفها وإيرادها، وانفرد بسكن البيت، وصار له قبول عند الفرنساوية، وجعلوه من أعاظم رؤساء الديوان الذى نظموه لإجراء الأحكام بين المسلمين، فكان وافر الحرمة، مقبول الشفاعة عندهم، وازدحم بيته بالدعاوى والشكاوى، واجتمع عنده كثير من مماليك الأمراء المصرية الذين كانوا خائفين، وعدة خدم وقواسة، ومقدم كبير، وسراجين وأجناد واستمر على ذلك إلى أن حضر يوسف باشا الوزير فى المرة الأولى التى انتقض فيها الصلح، ووقعت الحروب فى البلدة بين العثمانية والفرنساوية، والأمراء المصرية وأهل البلدة، فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه. (انتهى).

ولا التفات لما قاله الجبرتى ما لا يناسب شرف هذا البيت العالى المقدار، سيما والأحوال الجارية فى أوقات الفتن لا يوقف لها على قرار، ولا تعلم لها حقيقة، ولا يوصل لها إلى أصل صحيح، وقد رجع للمترجم ما أخذ منه، وانتظم حاله على أحسن مما كان، وعادت له أبهته، واكتسب بما حصل له كمالا ووقارا، وعمر عمارات فاخرة، وعاش عيشة هنيئة، وانفصل عن نقابة الأشراف، وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية، وعن مشيخة سجادة السادة البكرية، وانتقلت إلى ابن عمه السيد محمد أفندى أبى السعود، سار فى المشيخة على أحسن الأحوال، وأكمل الأخلاق مدة حياته، ولزم المترجم الخمول، مقتصرا على إصلاح شئونه، وتنقل فى أماكن متعددة، منها دار الخواجه أحمد محرم، أقام بها مدة، ثم انتقل إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلى بحارة عابدين، وجدّد بن عمارة فاخرة، واشترى دارا بدرب الجماميز بعطفة الفرن، وأتقن تشييدها، وغرس فيها بستانا جميلا، ولم يزل على خموله، ملازما إصلاح شئونه، إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى فى منتصف شهر ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، ودفن عند أسلافه بمدفن السادة البكرية بجوار سيدنا ومولانا الإمام الشافعى--ورحمهم أجمعين.