بالدقة متنا وشرحا وتقريرا مرة فأكثر جماعات وفرادى، وقد يطالع الشيخ عليه مواد أخر حتى يكون مستحضرا لأطراف المسألة وما يرد عليها وما يجاب به وكذا كبار الطلبة، وكانت العادة فيه غالبا أن أفضل الطلبة يطالع لباقيهم درس شيخه مطالعة بحث وتفتيش حتى يأتوا إلى الشيخ وهم متهيئون لما يلقيه. قال فى خلاصة الأثر: وكان الشيخ سالم ابن حسن الشبشيرى شيخ وقته يطالع لجماعة شيخه النور الزيادى درسه على عادة مشايخ الأزهر انتهى.
وكثير منهم يحصل الكتب التى حضرها فيملكها بشراء أو نسخ بيده أو غيره خصوصا الرسائل الصغيرة، وكان لا يتصدر للتدريس إلا من مارس الفنون المتداولة بالأزهر وتلقاها من أفواه المشايخ، وصار متأهلا للتصدر حلالا للمشكلات ومعضلات المسائل، فلا يحتاج لاستئذان إلا على جهة الأدب والبركة، وإنما يعلم بعض المشايخ والطلبة فيحضرون درسه ويتراكمون عليه، وهو يتأنق فى الابتداء ويسلك فيه طريق الإغراب والتوغل، وبعض الحاضرين يتعصب عليه ويتعنت والبعض ينتصر له، وإذا تلعثم فى إجابة سائل ربما أقاموه ومنعوه من التصدر، وإذا عاند ربما ضربوه، ثم تساهلوا فى ذلك حتى صار من يتصدر لا يكاد يتعرض له أحد حتى كثر المتصدرون وصار فيهم من لا أهلية فيه.
ثم لما تولى مشيخة الجامع الشيخ مصطفى العروسى تنبه لذلك وهمّ بمنع غير المستحقين للتصدر، وعزم على عمل قانون يجرى عليه المشايخ فى تصدرهم، ففجأه العزل عن المشيخة فى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وصارت إلى الشيخ محمد المهدى الحفنى العباسى الحنفى، فأراد أن يمشى على الطريقة التى كان قد عزم عليها الشيخ مصطفى العروسى لما رأى فى ذلك من المصلحة العائدة على العلم بالحفظ وعدم الابتذال، فاستأذن عزيز مصر الخديو الأعظم فى عمل قانون الامتحان لكل من يريد التدريس من المستجدين فأذن له، فعقد مجلسا من أكابر العلماء وشاورهم فى كيفية القانون، وانحط الرأى بينهم على تعيين ستة لذلك من أكابر العلماء، من كل أهل مذهب من المذاهب الثلاثة اثنان، وأما مذهب ابن حنبل فأهله بالأزهر بل بمصر عموما قليلون أو معدومون، وعلى جعل الامتحان فى أحد عشر فنا هى العلوم المتداولة بالأزهر: التفسير، والحديث، والأصول، والتوحيد، والفقه، والنحو، والصرف، والمعانى، والبيان، والبديع، والمنطق، وأن من يريد الدخول فى الامتحان لا بد أن يكون قد حضر هذه الفنون بالجامع الأزهر وحضر كبار الكتب مثل السعد وجمع/الجوامع، ثم يقدم عريضة لشيخ الجامع أنه يريد الدخول فى حومة العلماء المدرسين وينتظم فى سلك المعلمين المأذونين، وأنه حضر كذا وكذا من الفنون وحضر مختصر السعد وابتدأ فى جمع الجوامع