للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثلا، فيؤخر الشيخ تلك العريضة عنده حتى يستخبر عن أحواله شفاها ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب للمشايخ بإعطاء الشهادة فى حقه بالكتابة فيشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسا ويعطيه ميعادا يطالع فيه فيعطيه لكل فن يوما، وعلى رأس الأحد عشر يوما ينعقد مجلس الامتحان فى بيت شيخ الجامع، ويجعلون مريد الامتحان بمنزلة الشيخ وهم بمنزلة الطلبة له، فيبتدئ فى القراءة وهم يسألونه وهو يجيبهم، ولا يحضر فى ذلك المجلس غيرهم، فيمكث غالبا من أول الساعة الرابعة من النهار إلى الساعة الرابعة من الليل لا يقوم إلا لنحو الصلاة والأكل، فإذا أجاب فى كل فن كتبوه من الدرجة الأولى من درجات ثلاث، فيكتبون له الشهادة الكافية وترسل إلى المعية الخديوية، فتكتب له عريضة تشريف متوجّة بختم الخديو الأعظم تكون معه، ويخلع عليه فرجية وشريط مقصب يجعله فى عمامته فى مواضع التشريفات، ويكتب للجهات باحترامه وتوقيره، ويخفف عنه فى نحو السفر فى الوابور فينزل فيه بنصف الأجرة، وإذا أجاب فى أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب فى الأقل كتب من الدرجة الثالثة، ثم يكونون على باب مرتبات الأزهر، فإذا مات أحد من المرتب لهم النقود أو الكساوى أو الجرايات أو حصل له مانع من الاستحقاق فرق مرتبه على المستجدين بنظر شيخ الجامع، وإذا لم يجب ذلك الممتحن أقيم من المجلس ولا يؤذن له فى التدريس.

وقد استحسن شيخ الجامع أنه لا يمتحن فى العام أكثر من ستة، فإذا تراكمت العريضات من طالبى الامتحان، نظر الشيخ فى موجبات الترجيح كالشهرة بالعالمية أو الوجاهة أو سبق التاريخ أو كبر السن، ثم إن طريق الامتحان هذه قد أورثت الطلبة جدّا واجتهادا فى التحصيل بالحفظ والمطالعة وسهر الليل، ولكن ربما يقال إن ذلك فيه إفساد لنية الطالبين والمدرسين بحب المحمدة والافتخار والرغبة فى الجاه والمرتبات والتصدر والتعظيم ونحو ذلك، وقد تساعده الأقدار فيجيب من غير أن يكون فيه أهلية فيعطى غير ما يستحقه.

ثم إن الشيخ المهدى أيضا أبطل اختصاص أهل كل مذهب بعمد مخصوصة، وأبقى اختصاص كل شيخ بعمود، وإذا خلا عمود من شيخ بموت أو انقطاع فله أن يعطيه لشيخ غيره ولو لم يكن من أهل مذهبه، وقد يشترك فى العمود شيخان مثلا يقرأ كل واحد فى وقت، وقد يكون للشيخ عمودان يقرأ فى أحدهما صبحا وفى الآخر ظهرا مثلا، والعادة أن حصة الصبح يقرأ فى أولها التفسير والحديث ونحو ذلك وفى آخرها الفقه، وحصة الظهر يقرأ فيها النحو والمعانى والبيان والبديع والأصول، وحصة العصر صالحة لكل فن كحصة ما بعد المغرب، وأكثر تلك الأوقات ازدحاما حصة الصبح إلى ضحوة النهار، فإنك عند جلوسهم للدروس