وسع من يعوله من أب أو أخ مثلا، وإذا قرب فراغ مؤنته أرسل إلى أهله فيرسلون له مثل ذلك وهكذا، وهؤلاء يسكنون الوكائل والبيوت مع كتب أسمائهم فى الرواق لانتظار الجراية، وقل من يأتى بلا زاد وهم الفقراء جدا ويسكنون الرواق ويضعون أمتعتهم فى الخزن التى فيه، ثم لا يذهب أحد من الصعائدة فى تسعة أشهر العمالة إلى بلده، فإذا جاء رجب فمنهم من يزور أهله ويكون عندهم إلى أول شوال ثم يعود إلى الأزهر بمؤنته، وقد يتزوج فى تلك المدة ويتركها عند أقاربه ينفقون عليها كما ينفقون عليه، ومنهم من يقيم السنين العديدة بلا زيارة ولا زواج حتى يتم غرضه أو غرض أهله من المجاورة، فإذا رجع إليهم بعد طول تلقوه بالأفراح والولائم وذلك فيمن بعدت بلدته غالبا.
وأما أهل الوجه البحرى ومن قربت بلدته من القاهرة فيذهبون إلى بلادهم كل سنة يقيمون بها أشهر البطالة، وكذا فى أثناء السنة فى نحو بطالة السيد البدوى، ويأتون/بزاد قليل لقرب بلادهم وكثرة المترددين إليهم منها فيأتونهم بالمؤنة كل شهر أو أكثر، وكثير منهم يسكن بالأزهر لقلة متاعه خصوصا الفقراء، وينشرون الخبز بصحن الجامع لتنشيفه بالشمس وعند إرادة الأكل قد يبلون ناشف الخبز فى الميضأة أو فى إناء خارجها، وينامون بصحنه فى الصيف وبمقصورته فى الشتاء، ومعظم الفريقين أو كلهم ليس لهم طرق للكسب، بل أقاربهم ملتزمون بالإنفاق عليهم إلى انتهاء المجاورة، وغالبهم يباشر أعماله بنفسه من طبخ وغسل ثياب وتفليتها وترقيعها، ويقمّ بيته وقد يخصف نعله ونحو ذلك، وأكثر أكلهم سيما فقراؤهم المدمس والنابت والمخلل والكراث والفجل ونحو ذلك، وأهل الصعيد أكثر تقشفا من أهل الوجه البحرى، وأكثر الفريقين يلبس الزعابيط والدفافى الصوف المصبوغة بالنيلة أو بلا صبغ، ويلبسون الفلائل وكانت سابقا قليلة فيهم سيما الصعائدة، وقد يلبس الصعيدى ملاية زرقاء ذات خطوط بيضاء تصنع فى نحو إخميم وجرجا أو شقة بيضاء تصنع فى نحو أسوان، ويختلف الجميع فى الزى تبعا لاختلاف بلادهم، وقد يلبس أهل الثروة الثياب المفرجة من جبب وقفاطين والشرابات فى أرجلهم بزى أكثر أهل القاهرة، وأما العمائم فهى من زى الجميع فلا يكاد يوجد طالب علم بلا عمامة، وكثيرا ما يستعملون فراوى الغنم للجلوس عليها فى الدرس أو النوم عليها، وقد يسكن الجماعة فى مسكن واحد ضيق فيورثهم سقما لأنهم لا يتعهدون المسكن بالتنظيف، ولا الأوعية التى يأكلون فيها لما يقع بينهم من العناد وإحالة بعضهم على بعض، وكل ذلك طلبا لتخفيف الأجرة، فتجد كثيرا منهم مبتلى بالجرب أو الحكة مثلا، خصوصا سكان الأروقة والملازمون للجامع، وكثير منهم بلا فرش ولا غطاء فضلا عن الأوساخ التى علت أبدانهم وثيابهم، كل ذلك وهم منهمكون فى الطلب مجدون فى التحصيل إلا قليلا منهم.