وأما أهل الأقطار الخارجة من الهنود والسنارية والأتراك وغيرهم فهم أنعم عيشا من المصريين، وأنظف ثيابا وأبدانا، وأغنى منهم لما لهم من المرتبات الكافية مع ما يجلبونه من بلادهم من النقود الكثيرة، والفقير فيهم قليل، ويأتون كبار السن فوق العشرين، وكثير منهم يكون قد طلب العلم فى بلاده، وأكثرهم لا يحفظ القرآن، وأكثرهم يسكن أروقة الأزهر مع النظافة والفرش الكافى، وإذا قلت نقودهم يتيسر لهم التداخل عند الأمراء ونحوهم أكثر من المصريين، ولبعد بلادهم لا يذهبون إليها إلا بعد قضاء وطرهم من طلب العلم إلا لسبب قوى.
وعادة الشاميين إذا تمم الواحد منهم غرضه وأراد السفر إلى بلده أن يدعو أصدقاءه ومحبيه من الطلبه والمشايخ، وقد أوقد لهم الرواق بالشموع وفرشه بقدر حاله، فيجتمعون عنده إلى ما شاء الله من الليل، ويطاف عليهم بالقهوة والشربات وينشدون بالمجلس قصيدة أو أكثر تشتمل على مدحه والتنويه بغزارة علمه وكثرة فضله ثم ينصرفون.
وعادة أكثر المجاورين عند ختم الكتاب أن يأتوا فى الحلقة بالمباخر والقماقم فيها الطيب والعطريات، وبعضهم يأتى بشئ من النقل، وبعد الختم يقرأ بعض الحاضرين شيئا من القرآن بالترتيل، ثم يرش عليهم ماء الورد وينثر عليهم نحو اللوز والتمر، ويقبلون يد الشيخ، وبعض المشايخ يعمل طعاما يدعو عليه الطلبة.
وعادة المجاورين أيضا سيما عند إرادة السفر أن يطلبوا الأجازات من المشايخ، فيكتبون لهم إجازات بخطوطهم متوجة بأختامهم، تتضمن الشهادة للمجاور بالتحصيل والمهارة فى الفنون والأهلية للتدريس والإفتاء مثلا وإجازتهم بذلك، وقد يبين فيها الشيخ اتصال سنده أو بعضه، ويوصيه فيها بالتقوى والتحرى فى الأحكام وأن لا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، والغالب أن للواحد منهم احتراما زائدا لشيخه ولو صار شيخا مثله، فيقبل يده ويقوم له ويمتثل أمره.
وللمشايخ زى يعرفون به، فيلبسون الآن غالبا الأقبية المفرجة المسماة بالفرجيات، وهى ذات كمين واسعين تتخذ من جوخ أو تبيت أو نحو ذلك، مع القفاطين والطيالس الفاخرة والسرموزات والبوابيج الصفر وغير ذلك، وكان الكثير منهم فى السابق مخشوشنين فيلبس الشيخ زعبوط الصوف غير المصبوغ بغير غلالة، وكانوا يعرفون بعمائم يقال لها المقلة تشبه عمائم الأضرحة، ومع اخشيشان الطلبة والمشايخ فقد كانوا عند الأمراء والأعيان فى منزلة كبيرة من التعظيم والإجلال ونفوذ الكلمة، لما كانوا عليه من التمسك القوى بالشرع