فى كيس خوفا من تنجيس المسجد وإن كان ذلك معفوا عنه، ولا يشرب القهوة ولا يشم رائحة الدخان، ولا يلبس ما فيه حرير أو نقد فيجتنب زر الطربوش وخلع الملوك والأمراء وموائدهم، ولا يزال يشدد النكير على الشافعية فى تعدد الجماعات فى المساجد فى آن واحد، وهم يقولون إن مذهبنا جواز ذلك فلا يسلم لهم، وله ملاحظات جميلة جدا إذا سمع من يقرأ قرآنا تجده يبادر باستقباله ويستدبر القبلة له فى غير الصلاة، وسئل فى ذلك فقال:
إنه لا يسع أحدا يقرأ عليه فرمان الملك أن يسمعه وهو غير مستقبله بكليته، وينكر أيضا على العلماء والطلبة فى مسكهم النعال بأيمانهم والمحافظ فى شمائلهم، وفى بصقهم وامتخاطهم بين النعلين فى المساجد ويقول: إن النعال معفو عن نجاستها اللازمة لها من المنشى فى الطرقات، فإذا بصق الإنسان فى النعل تنجس البصاق من نجاسة النعل وصار نجاسة طارئة غير معفو عنها، وينكر على العلماء فيما اعتادوه من كتبهم فى المحاضر والتذاكر أن فلانا عالم محصل مستحق للوظائف مثلا والحال أنه ليس كذلك، ويقول: هذه من شهادة الزور، وهم يتساهلون فى ذلك ويرونه من قضاء حوائج الناس. وينكر عليهم أيضا فى حضور ليالى السهر فى الأفراح والجنائز مع اشتمالها على ما لا يجوز أو ما لا يليق، فإن أقل ما فيها عدم الإصغاء لقراءة القرآن ورفع الصوت عنده وهو لا يجوز.
ومات ابنه الجهبذ العلامة الفريد بالألمعية والتحصيل الشيخ عبد الله عليش سنة أربع وتسعين ومائتين وألف، فلم يمكن أحدا من عمل الابرار المعتاد لموت علماء الأزهر، ولم يمش أمام جنازته بقراءة البردة ونحوها، ولم يجلس لقبول العزاء فيه بل قفل بيته وطرد القراء والفراشين الذين يخدمون فى الليالى، وقال لهم: أنا لا أدرى ما فعل بابنى فى قبره حتى أعمل له ليالى كليالى الأفراح، ولا أكون من الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وله حدة المغاربة وشدة الصالحين، أفتى الشيخ حسن العدوى مرة فى مسألة فرأى أنه أخطأ فيها ولم يرجع عن فتواه فشدد عليه ومنعه من القراءة بالأزهر. وحاصلها أن الأمير عبد اللطيف باشا كان مفتشا فى الأقاليم بعد سنة سبعين وكان جبارا شديدا فقصد رجلا من أهل الجيزة ففر منه فأمسك أباه وطلبه منه فادعى الأب أنه لا يعرف لابنه مكانا خوفا على ابنه من الضرب الأليم، فحلفه بالطلاق فحلف والحال أنه يعرف مكان ابنه، فأفتى الشيخ العدوى بأنه مكره لا يلزمه الطلاق فأنكر عليه الشيخ عليش وقال: إن الإكراه بالنسبة للولد لا يكون إلا بخوف القتل لا بمجرد الإيلام الشديد بخلاف الخوف على النفس، وانعقد لذلك مجلس من العلماء فى مدفن الكتخدا على عادتهم فى المهمات، فحصل من الشيخ العدوى ما أوجب أن الشيخ يحكم عليه بعدم القراءة فى الأزهر فلم يمتثل الشيخ العدوى وجلس فى الدرس على عادته، فذهب إليه الشيخ ليقيمه، وتبعه بعض المغاربة ففر الشيخ العدوى وكسر