للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزى. طيب الله ثراه، وأجزل فى دار النعيم قراه، فإنه بين خطط القاهرة فى زمانه أتم بيان، وأوضح معالم مدنها وقراها الشهيرة أبدع إيضاح وأجمل تبيان، وذكر معظم تواريخ أعاظمها من العلماء والأعيان، وما وصل إليه من أحوال أهلها فى زمنه وفرقهم ومذاهبهم، وما عثر عليه من القديم، حتى بلغ من ذلك مبلغا انتفع به الناس النفع العميم، ثم لما تقادم الزمن واستدار، ودارت على مصر فى الأعصر الخالية دوائر الأهوال والإحن والأقدار، فاكفهر نجمها وحال حالها، واسود وجهها النضير، وكسف بالها.

إلى أن أدركها الله تعالى بعنايته، ووصلت من النضرة والسرور إلى غايته، حين وليتها العائلة الفخيمة؛ عائلة مولانا وسيدنا الخديو الجليل المرحوم الحاج محمد على. فقد لبست مصر فى عهدها بعد البؤس والقدم لباس النعيم والجدة، وبدلت الرخاء بعد الشدة، فتغيرت لذلك أخطاطها ومعاهدها؛ وتبدلت معالمها، فلا يكاد يهتدى إلى منزل من منازلها ولا إلى دار ولا خطة من خططها الآن قاصدها، وبقيت مجهولة المسالك والمساكن وغيرها قديما وحديثا، وصار الناس، عالمهم وجاهلهم، من أمرها لا يفقهون حديثا، انتهض لذلك ذو العزم الذى لا يجارى، والهمة التى لا تبارى، الذى بلغ من كل وصف جليل غايته، وحاز من كل خلق كريم بهجته، وحلّ من كل ثناء جميل بحبوحته، الرياضى الذى لا يشق غباره، والنبراس الذى لا يهتدى إلا به، ولا تشرق فى القلوب إلا آثاره:

أمير له فى الفضل أرفع منزل … وفى أفق التحقيق أنجمه زهر

جليل نبيل ذو وقار وحشمة … وبين ذوى أحكامنا أمره الأمر

إذا رفع الناس الحوائج نحوه … أنالهم برا فجم له الشكر

بشوش المحيا دائم البشر للذى … يوافيه يبغى عرفه، دأبه اليسر

إذا خط فالدر الرطيب منظم … أو الروض فى أفنانه ينفح الزهر

هو الفيصل المعدود فى كل معضل … هو الشهم فى حل العويص له ذكر

هو الحكم المرضى والثقف الذى … إذا ناضل الأنداد تم له النصر

العلم الشهير. والبدر المنير، والعالم النحرير، والطبن بالمشكلات الخبير، الجبرى الذى كاد أن يبين عن حقيقة الجذر الأصم، والحيسوب الذى كشف عن وجه الأعداد الأول اللثام على الوجه الأتم، والهندسى الذى أسس أشكال التأسيس، ووضع الأعداد المتناسبة على الوجه النفيس، ذو السعادة على باشا مبارك ناظر ديوان المعارف العمومية بالمحروسة مصر المعزية،