فيجلس القاضى والداعى إلى جانب صاحب الباب والناس على اختلاف طبقاتهم، فيقرأ القراء وينشد المنشدون، ثم يفرش عليها سماط الحزن نحو ألف زبدية من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان الساذجة والعسل النحل والفطير والخبز المغير لونه بالقصد، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة وأدخل الناس للأكل منه، فيدخل القاضى والداعى ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير والمذكوران إلى جانبه، وفى الناس من لا يدخل ولا يلزم أحد بذلك، فإذا فرغ القوم وانفصلوا إلى أماكنهم ركبانا بذلك الزى الذى ظهروا فيه، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر ثم يفتحون ويتصرفون. انتهى.
ومن عوائد الشيعة الآن فى هذا الشأن، أنهم إذا جاء شهر محرم الحرام يجتمعون بعد العشاء فى أماكن متعددة لعمل المحزنة، ولكل حلقة خطيب يجلس على مرتفع غالبا، ويذكر لهم شيئا من وقعة الحسين، وينشد المراثى المهيجة للنواح فيصرخون بالبكاء والعويل والقول القبيح، وفى تلك الليالى يهيئون الأطعمة والشربات، وبعض الناس يذهب للفرجة عليهم فيقدمون له من ذلك، وهكذا كل ليلة إلى يوم عاشوراء فيجتمعون محفلا عظيما ويسيرون إلى المشهد الحسينى وبأيديهم السيوف المسلولة والخناجر والبلط، فيضربون أنفسهم ويصرخون بالنواح والنشيد، ويمشون فى الشارع صفين وبينهم طفل راكب فرسا-ويكون فى/الغالب ابن رئيسهم-وقد شجوا جبهته حتى سال الدم على صدره، وبين يديه على الفرس عمامة خضراء تمثالا برأس الحسين، فإذا وصلوا إلى المشهد وقفوا زمنا يصرخون بالنواح ويضربون أنفسهم ضربا مبرحا تفزع منه القلوب من غير أن ينكر عليهم أحد، بل يخافهم الناس وتغضى عنهم عساكر الشرطة.
ثم إن هذا الجامع عند حفر أساسات أساطينه فى هذه العمارة الأخيرة، وجدت به أبنية كثيرة مقبية بهيئة قبور، فلا بد أن ذلك من قبور الفاطميين، فإنها كانت فى محل خان الخليلى ممتدة إلى هذا المشهد.
قال السخاوى فى كتاب المزارات: إن المدرسة التى بجانب المشهد الحسينى جعل بها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب تدريسا ووقف لها وقفا، ولما وزر معين الدين ابن حمويه فوض إليه الأمر بالمشهد، فجمع أوقافا وبنى به إيوانا للتدريس وبيوتا للفقهاء العلوية.
والمقبرة التى كانت إلى جانب هذا المشهد كبيرة تسمى تربة الزعفران والتربة المعزية كان المعز لما دخل القصر شرع فى إصلاحها، وأرسل إلى المهدية من بلاد المغرب فأخذ أباه