قابلا للصقل، ولكن لم يلتفت إلى كوله كثير الرطوبة، ومتى جف انحلت منه صفائح من تأثير الحرارة كما صار الآن فى الأحجار المبنى بها الجامع، فإن أغلبها قد تفتت سطحه الظاهر وانكسر منها الكثير من الضغط عليه، وكان الأولى أن يستعمل فى بناته الحجر المستعمل فى بناء جامع السلطان حسن، فقد مرت عليه ستة قرون ونصف ولم يتغير مع ما اعترى الجامع من الإهمال والترك، ومع ذلك فقد بذلت الهمة فى إجراء العمل، وفى زمن قليل هدمت جميع الأماكن، وبواسطة القطع بالعدد والألغام صار وضع قطعة الأرض التى تخصصت لعمل الجامع على الصورة اللازمة لبناء الأساسات، وحشرت العمال والصناع لبناء الأساسات فأتموها إلى الحد المرغوب، فكانت عبارة عن حيطان متقاطعة بالتعامد على حسب الرسم المعمول، سمك كل حائط منها نحو أربعة أمتار مبنية بالحجارة العجالى الكبيرة والدبش والطوب والأخلية المتخللة بينها ملئت بالأتربة والدقشوم وغيره إلى مستوى أرضية الجامع الحالية، بعد ذلك صار الشروع فى بناء المسجد وملحقاتة بالحجر العجالى النحيت من داخل الجامع وخارجه، متبعين فى البناء التفصيل الذى انحط الرأى عليه، ولما بلغوا قريبا من مترين وبلغ الخديوى إسماعيل باشا كثرة ما صرف على ذلك، ورأى أنه يحتاج فى تمامه إلى ما يفوق على الخمسمائة ألف جنية ضجر من ذلك ورغب إحالة العمل فيه على ديوان الأشغال، وكان قد حضر لسدته رجل من معمارجية الإفرنج مدحوه لدية وأثنوا على مهارته ومعرفته بالمبانى العربية، فأحاله على ديوان الأشغال وأمرنى بأن أسلمه رسومات الجامع وما يتعلق به، ولكن جميع ذلك لم ترضه صاحبة العمارة ولا تحب إلا اتباع الرسم الذى اختارته، وكان الإفرنجى المذكور يريد إدخال تغييرات فيه وهدم ما بنى منه، فمن النزاع وتغير خاطر الوالدة وقف العمل مدة ثم صرف الإفرنجى، واستمر العمل على الرسم الأصلى حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وفى أثناء البناء كان العمل جاريا فى القصر العالى فى عمل الشبابيك والأبواب والدواليب والثريات وغيرها بمعرفة جملة من النجارين الصعايدة المشهورين بالنجارة الدقيقة القديمة، وأحضروا لهم من البلاد السودانية خشب الآبنوس من الألوان المختلفة وكذا ما يلزم من خشب الجوز والعاج، وما يلزم من العدد للتطعيم، وصارت التوصية على البسط اللازمة لفرش المسجد فأحضروها وأحضروا عدة ملفات من الورق المذهب بنحو ألفين وخمسمائة جنية لنقش السقوف، وكذا صارت التوصية على الأخشاب اللازمة للسقف فى جزيرة طاش يوز فأحضرت بالقياسات التى اتفق عليها، وكذا استحضروا ستة وثلاثين عمودا من الرخام الأبيض بقواعدها وتيجائها ثمن العمود الواحد منها ألف جنية، فكان جميع ما يلزم لهذه العمارة مستحضرا قبل إتمامها وبعضه الآن باق بالمخازن إما تلف