أو قارب التلف لطول مدة العمارة وعدم إتمامها إلى الآن، خصوصا ما حصل من الصعوبات الهندسية المختصة بتسقيفه، فإنه استقر برأى كثير من المهندسين أن الأعمدة لا تتحمل ما عليها من الثقل، وما حصل فى بعض حيطان الجامع من الخلل أوجب اضطراب الأفكار فى متانته، فمن ذلك تعطل إتمامه.
ثم بعد أن توفيت المنشئة إلى رحمة الله، وأحيل هذا الجامع وملحقاته بعد وقفهما على ديوان الأوقاف، أخذ مهندسوه فى البحث عن الطرق التى تسهل إتمامه ولو ببعض تغييرات يجرونها، إما بوضع حوامل ملتصقة بالحيطان وتخفيف الأثقال الضاغطة على العمدان واستعمال السقف الخشب كأصل الرسم، أو إزالة العمدان بالكلية واستعمال الحديد فى السقف، وكنت حال نظارتى بديوان الأشغال رغبت فى إزالة العمدان بالكلية من وسط الجامع وتوزيعها فى دائره بالانتظام، وتسقيف الجامع كله بقبة من الحديد، وكلفت أحد أصحاب الورش المشهورة فى أوربا فى مثل هذه الأعمال بأن يمتحن هذه المسألة ويعطى رأيه فيها، ويبين قدر ما يلزم أن يتكلفه العمل، فبعد أن خاطب ورشته/وعملت الحسابات الهندسية قدم لى رسما للعمل بمقتضاه، وأخبرنى أنه يتعهد بعمل القبة وما يلزمها من كسوة فى الخارج وزينة فى الداخل ودرابزينات وغير ذلك بمبلغ ثلاثين ألف جنيه، وتكلمت مع الخديوى إسماعيل باشا فى ذلك وعرضت عليه الرسم فوافقنى على هذا الرأى، ولكن لم ترضه المرحومة والدته مع أنه لو اتبع لاستغنى عن الأكتاف الأربعة القائمة فى وسطه المكون كل واحد منها من أربعة أعمدة متلاصقة قواعدها وشاغلة لتسعة أمتار مسطحة من أرض الجامع، واتسع بذلك على المصلين وازداد رونقا وبهاء، وامتاز عن غيره بالفخامة، وتوفرت مبالغ جسيمة، وتم الجامع فى زمن قريب، إذ القبة المذكورة كان ارتفاعها عن أرض الجامع نحو ستين مترا، وقطرها عرض الجامع، ومكيفة بحيث يمكن تحليتها من داخلها بجميع أنواع الزينة والنقوش، ومقسمة بطبقات المناور المجعولة على أشكال هندسية رائقة المنظر، ومملوءة بالبلور الملون، ولكن قدر الله غير ذلك.
(أقول): والعمارة المذكورة شكلها مستطيل، وطولها من المشرق إلى المغرب ثمانية وتسعون مترا، وعرضها من قبلى إلى بحرى اثنان وسبعون مترا، وارتفاعها من جهاتها الثلاث ستة وعشرون مترا، ما عدا الجهة الغربية فإن ارتفاعها ثلاثة وثلاثون مترا ونصف متر، وتشغل من الأرض سبعة آلاف وستة وخمسين مترا مربعا، منها مسطح المسجد المعد للصلاة ألف وسبعمائة وسبعة وستون مترا، ومسطح محل الحنفيات سبعمائة وستة وتسعون مترا، ومسح الأبواب والأسبلة والمدافن ثلاثة آلاف وخمسمائة متر وثلاثة وستون مترا، ومسطح الميدان