للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يقول فى معنى قول بعض الصوفية: أن الحق ذات كل شئ والمحدثات أسماؤه. معنى الأول أن كل شئ لا يقيمه ويوجده ويحققه إلا الحق؛ لأن الذات هى المقوّمة المحققة للعرض ولما كان الحق من المحدثات بهذه المنزلة هو قيومها الذى لا قيام لها دونه أطلقوا عليه ذاتها. وأما كونها أسماءه فلأنها دالة عليه دلالة لازمة لها كما هو دلالة المفعول على فاعله والإسم ما دل بذاته على ما وضع له؛ فمن ثم سموا المحدثات أسماء بقيومها الذى أوجدها فافهم إلى آخر ما هو مبسوط فى الطبقات؛ فعليك به ترى بحرا زاخرا.

وفى مناهل الصفاء: أن أباه مات وهو طفل فنشأ هو وأخوه أحمد فى كفالة وصيهما أبى حفص الزيلعى، فلما بلغ سيدى على تسع عشرة سنة جلس مكان أبيه وعمل الميعاد وشاع ذكره، ولما انتقل قال أخوه سيدى أحمد لمن حضر: الشاهد يعلم الغائب شاهد الإدراك وشاهد الخبر لا تضيعونا يضيعكم الله وأستاذنا ما مات ولكن كما قيل:

ما غاب ساقينا ولكن ربما … حجبت أشعتها صدى الأكوان

وفى المنح سمعته يقول فى المشهد الشريف فى قوله تعالى: ﴿(خِتامُهُ مِسْكٌ)(١) إذا حسبت لفظة (مسك) بحساب جمل الغالب والمغلوب، وهو أن الميم بأربعة والسين بستة والكاف باثنين فالمجموع اثنا عشر، واحسب اسم على فالعين بسبعة واللام بثلاثة والياء بواحد.

والقاعدة: أن الحرف المشدد بحرفين فتكون الياء مكررة فالمجموع اثنا عشر فكأنه يقول: ختامه على. وفى ذلك فليتنا فس المتنافسون.

وفى الضوء اللامع للسخاوى: أن سيدى على هذا هو على بن محمد بن محمد بن وفا أبو الحسن القرشى الأنصارى السكندرى الأصل المصرى الشاذلى المالكى الصوفى أخو أحمد ويعرف كسلفه بابن وفا. ومن ذكر فى آبائه محمدا ثالثا فقد وهم، ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة ومات أبوه وهو صغير فنشأ هو وأخوه فى كفالة وصيهما الشمس محمد الزيلعى فأدبهما وفقههما، وكان هذا على أحسن حال وأجمل طريقة فلما بلغ سبع عشرة سنة جلس مكان أبيه وعمل الميعاد وشاع ذكره وبعد صيته وانتشر أتباعه وذكر بمزيد اليقظة وجودة الذهن والترقى فى الأدب والوعظ.

وكان أكثر إقامته فى الروضة قريب المشتهى، وحصل له أتباع وأحدث ذكرا بألحان وأوزان يجمع الناس عليه، وله نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة.


(١) سورة المطففين: ٢٦.