الثروة، وأخذ منهم اثنى عشر ألفا، وجعلهم فى مناخ القصر، وأفاض عليهم القوت، وكذلك فعل جميع الأمراء وأرباب السعة. وكان الواحد من أهل الفاقة إذا امتلأت بطنه الطعام، سقط ميتا، فكان يدفن منهم كل يوم العدّة الوافرة، حتى أن العادل-فى مدة يسيرة-دفن نحو مائتى ألف وعشرين، فإن الناس كانوا يتساقطون فى الطرق من الجوع، ولا يمضى يوم واحد إلا ويؤكل عدة من بنى آدم.
وتعطلت الصنائع فلما أغاث الله الخلق بالنيل، لم يوجد أحد يحرث ولا يزرع، فخرج الأجناد بغلمانهم، وتولوا ذلك بأنفسهم. ومع ذلك لم يزرع أكثر البلاد، لعدم الفلاحين والحيوانات، وبيعت الدجاجة بدينارين ونصف، ومع ذلك كانت المخازن مملوءة من الغلال، وكان الخبز متيسر الوجود، يباع كل رطل منه بدرهم ونصف.
وزعم كثير من أرباب الأموال، أن هذا الغلاء كسنى يوسف-﵇-وطمع أن يشترى بما عنده من الأقوات، أموال أهل مصر ونفوسهم، فأمسك الغلال، وامتنع من بيعها، فلما جاء الرخاء لم ينتفع بشئ منها، بل رماها لأنها تلفت. وأكثر أرباب المال أصيبوا، فبعضهم مات عقب ذلك شرّ ميتة، وبعضهم أصيب فى ماله، إن ربك لبالمرصاد، وهو الفعال لما يريد.
ثم بعد ذلك جاءت دولة الأتراك، فكانت المصائب أشنع وأفظع، وتسلحت بأسلحة أحدّ وأقطع، فكان الغلاء والقحط فى سلطنة كتبغا سنة ٦٩٤ فى بلاد مصر، وهجم عليها من سكان برقة ٣٠،٠٠٠ نفس من الجوع، لقلة المطر ببلادهم، وجفاف العيون، فهلك جلهم جوعا وعطشا، ووصل القليل منهم فى جهد وقل. وتأخر الوسمىّ ببلاد الشام، حتى فات أوان الزرع، واستسقوا ثلاثا فلم يسقوا، ثم اجتمع الجميع وخرجوا للاستسقاء، وضجوا وابتهلوا إلى الله ﷾ فأغاثهم وسقاهم.
والنيل بمصر وقف عن الزيادة، فتحولت الأسعار، وتأخر المطر عن بلاد القدس والساحل حتى فات أوان الزرع، وجفت الآبار، ونضب ماء عين سلوان، وكان مبلغ النيل