للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجدبت مكة، فبلغ أردب القمح بها تسعمائة درهم، والشعير سبعمائة، فرحل أهلها حتى لم يبق بها من الناس إلا اليسير.

وعدم القوت ببلاد اليمن، وكثر بها الوباء، فباعوا أولادهم، واشتروا بهم قوتا، وفروا إلى حلل بنى يعقوب، فتلاقوا مع أهل مكة، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، فأفناهم الجوع جميعا، ما عدا طائفة قليلة.

وحصل القحط ببلاد المشرق، وفنيت دوابهم، وهلكت مراعيهم، وأمسك المطر عنهم. واشتد الأمر بمصر، وكثر بها الناس من الآفاق، فعظم الجوع حتى كان الخبز ينهب من المخبز والحوانيت، وكان العجين-إذا خرج به صاحبه ليخبزه-نهب قبل أن يصل، فكان لا يصل إلا إذا كان معه عدة يحمونه من النهابين … ومع ذلك، فكان من الناس من يلقى نفسه عليه ليأخذ منه بلا مبالاة، بما أصابه من ضرر الضرب.

فلما تجاوز الأمر حده، أمر السلطان بجمع الفقراء وذوى الحاجات، وفرقهم على الأمراء، فأرسل إلى أمير المائة مائة، وإلى أمير الخمسين خمسين، حتى وزع على أمير العشرة عشرة، فكان منهم من يطعم من خصه من الفقراء ثريد لحم البقر، ومنهم من يعطى كل واحد رغيفين، ومنهم من يعطى كعكا، ومنهم من يعطى رقاقا، فخف ما بالناس.

ولكن عظم الوباء فى الأرياف، وفشت الأمراض بالقاهرة ومصر، وعظم الموتان، وكثرت طلبة الأدوية، حتى أن عطارا بباب حارة الديلم، باع فى شهر واحد باثنين وثلاثين ألف درهم، وبيع من حانوت شخص، يعرف بالشريف عطوف، من سوق السيوفيين، بمثل ذلك، وكذلك حانوت بالوزيرية، وآخر خارج باب زويلة، باع أيضا بمثل ذلك.

وطلبت الأطباء، وبذلت لهم الأموال، وكثر ما تحصلوا عليه، فكان الواحد منهم يكتسب فى اليوم الواحد مائة درهم. ثم أعيا الناس كثرة الموتى، حتى بلغت عدة من يصل اسمه الديوان السلطانى-فى اليوم الواحد-ما يزيد عن ثلاثة آلاف.