ولم يكن بالمدينة أطباء يعتنون بالمرضى، بل كانوا يعوّلون فى ذلك على ما تصفه العجائز، وعلى أقوال الدجّالين والمشعبذين، فإذا مرض إنسان ذهب أهله فطرقوا له الودع والفول، وحسبوا له النجم، وقاسوا أثره، فما أخبرهم به الدجال اعتمدوه، وكتبوا له الأحجبة، أو بخروه باللبان والجلد، وعلقوا عليه الخرز.
وكانت لهم خرزات، كل واحدة يزعمون أنها تبرئ داء، فللعين خرزة حمراء يسمونها البذلة، وللرقبة خرزة بيضاء مصفرة تسمى خرزة الرقبة، ولهم أحجار يحكونها للخضة - أى الفزعة - وللحمّى، ويسمونها حجر الشفاء، ومن لسع حكوا له الخرتيت، أو وضعوا على اللسعة فصا، يسمى فص العقرب، وغير ذلك.
ومن الإهمال فى أمر الصحة، اتخذ الناس مقابر وسط المدينة كمقبرة السيدة زينب ﵂ والقاصد، بل دفن كثير من الناس موتاهم فى منازلهم، وفى المساجد والمدارس.
وكذا كان الإهمال فى أمور الضبط، فلا نفوذ للمكلفين به إلا إذا كان على وفق الأمير أو الكبير، فكل له غرض لا ينفذ سواه، وأحكام الخط أو الدرب تحت سلطة من يسكنه من الأمراء، ولا يد للحاكم البتة. وإذا تعرض الحاكم أو الباشا لنقض ما أبرمه، قام سوق الحرب، وطما بحر الفتن، فكان للرعاع نفوذ بواسطة الانتماء إلى بعض الأمراء، والناس تقاسى الأهوال، والمحتسب يسومهم سوء العذاب، وكل تاجر له محام من الأمراء، ليبيع باسمه، لأنه إن لم يتخذ له محاميا ضاع رأس المال نهبا، فكان أرباب الوجاقات متقاسمين التجار والتجارة لأنهم أصحاب الوظائف.
ولا بد للتاجر من وضع إشارة فى حانوته، تدل على أنه من طائفة كذا وهذا عام فى كل متجر وبكل جهة، وبهذه الواسطة كان التاجر يشتط فى الثمن كما يحب، كى يتسنى له دفع ما قرر.
وكذا كانت حالة المراكب فى البحر؛ فكل مركب عليها راية تدل على محاميها حتى لا يتعرض لها إنسان.
وبسبب اتساع دائرة الخوف، ضاقت حلقة التجارة، واقتصر فيها على ما يتحصل من القطر، ولم تجسر تجار الأجانب على الدخول فى مضايق تلك الأحوال، إلا ما كان يرد من نحو جهات الشام والحجاز، ملتزما أربابه الاحتماء بزيد أو عمرو، كعادة أهل البلد، فكان التجار من أهل القطر خاصة، إلا قليلا من نصارى الشوام، وبعض الحضارمة، والنادر أن ترى إفرنجيا.