وكان لكل جهة صنف من المتجر؛ فالجمالية أكثر ما يباع بها وارد الشام والحجاز وحضرموت، والحمزاوى يباع فيه الجوخ والحرير وما يرد من الهند وبلاد الإفرنج، وخان الخليلى يباع فيه ما يرد من البلاد التركية، وأما المأكولات وأنواع العطارة فليست مختصة بجهة.
وكان لأهل البلد أسواق وقتية، فمنها ما يكون فى يوم معين، كسوق الجمعة والاثنين والخميس، ومنها ما يكون كل يوم بعد العصر، كسوق العصر، وكانت تنتقل من مكان إلى آخر، حسب ما يراه الحاكم.
وكذا كانت لهم أماكن لتجمع الحرف والمشعبذين؛ كالحواة والقرادين، وأكبر مجتمع لهم هو الرميلة، وكذا كانت مقر سماسرة الخيل والحمير ونحوها، ومقر الحشاشين والمصارعين فلذا تغيرت مبانيها الفاخرة إلى عشش، وحيشان وأخصاص، واستحوذ كل إنسان على ما قدر عليه من أرض تلك الجهة، حتى المساجد والمدارس، وبنوا حول المساجد التى بها أبنية قذرة، شوهت محاسنها، وكذا ضيقوا واسع أرض الميدان وسوق السلاح، فكان المار بتلك الجهات يخطو على القاذورات، ويمر فى خليط من الأراذل إلى أرذل منه، حتى يتخلص بعد الجهد الجهيد.
وانعدمت الصنائع من القطر، إلا الدنئ، وانحصرت صنائعه بعد السعة فى قزازة الكتان والصوف وعمل الضبب، بعد أن كانت القزازة بمصر من أشهر الأعمال فى الأقطار وكذا النجارة والسباكة، فلم تزل تتقهقر، ويرحل الصناع لتسلطن الفقر، وكثرة الهرج، وموت البارع جوعا، حتى انمحت آثارها.
وعمت الأهوال هذه جميع أنحاء القطر، وانحطت أثمان الأماكن وأجرها، فكان البيت الذى تبلغ مساحته ألف ذراع يباع بخمسين ريالا، وتؤّجر أكبر دكان أو قهوة بستين فضة، وأعظم بيت بألف فضة.
وما ذلك إلا لانحلال الروابط، وكساد الوسايط، وتخييم الفقر بين أظهرهم، ومقاساة الشدائد، وكثرة الفتن، وما من رادع. فكان من يمر فى شوارع القاهرة لا يرى إلا فقيرا مرقعا، أو قتيلا مصروعا، أو جنديا ينهب، أو محتسبا يضرب، وإذا تأمل فى المبانى لا يرى إلا خرابا، وأسوارا وأبوابا. وإذا انتهى إلى أطراف البلد كالحسينية التى كانت مخيما للنزهة، ومقرا للفرجة، لا يرى إلا التلال والكيمان، وأطلالا تبكى على من كان.
وما بقى من آثار بيوت الأمراء والوزراء، ومساجدهم ومدارسهم - التى ذكرها المقريزى - صارت مساكن للرعاع، ومعاطن للدباغ، ومرمى للأوساخ، وملقى للسباخ، وكذا جهة باب النصر، وباب الحديد، والعدوى، والأزبكية، وباب البحر.