وكان يقام بالأزبكية أيام النيل، بعض قهاو يجلس عليها الناس لاستنشاق الهواء.
لوجود الماء وقتئذ بهذه الجهة، وأن الخراب اتصل منها إلى عابدين، بل قد امتد الى الداودية والقربية والخليفة: وبالجملة فقد عم كافة البلدة، بل جميع القطر.
وأما جهة المدابغ وباب اللوق، فلا تسل عما احتوت عليه من التعفنات والروائح الكريهة. وأحاطت التلال بالمدينة إحاطة الدائرة بالنقطة، عوضا عما كان بالقرافة من مساجد وقصور، وبالفسطاط من مدارس وديور، أصبحت خاوية على عروشها، فلا ترى إلا عقدا بلا سور، وجدارا بلا قائم، وخرابا ممتدا فى جميع النواحى.
إلا أنه كان يوجد على حافة النيل الشرقية بعض مبان، كقصر العينى، وبيت محمد كاشف قبليه، وبيت محمد بيك بحريه محل القصر العالى، وغيرها أبنية قليلة، تمتد إلى جزيرة العبيط - محل الإسماعيلية الآن، وكان يتوصل إليها من بوابة زالت الآن، تجاور غيط قاسم بيك المعروف الآن «بجنينة وهبى باشا»، وكانت تلك الجنينة تنتهى إلى تل مرتفع قد زال وبقى أثره مزروعا قريبا من ديوان المالية إلى عهد قريب، ثم قسم للبناء فيه. وكان بوسط تلك الكيمان مسالك للمارة، إلى ترب القاصد وبولاق ومصر العتيقة.
وكان ساحل النيل كما هو اليوم، ولكن النيل كان منقسما إلى قسمين: قسم موضعه الآن، والآخر يمر غربى الجزيرة لبولاق التكرور، وهو الأكبر، ويجتمع مع فرع بولاق بحرى الجزيرة عند انبابة.
وفى زمن فيضان النيل تغطى جزيرة بولاق - التى بها الآن السراى الخديوية - ويكون عرض النيل نحوا من ألف وأربعمائة متر، وفى زمن التحاريق يجف فرع بولاق، ولا تمر المراكب إلا من جهة الجيزة إلى بولاق التكرور، ويتعسر جلب الماء إلى المدينة، لبعده، فيشرب الناس من الصهاريج، ومن البرك الراكدة، ومن الغدير الذى كان بجهة بولاق، مقابل الترسانة، إلى شبرا.
وبالجملة فقد كان الخراب عمّ، والدمار طمّ، وكثير من التلال داخل وسط الأماكن، سوى ما فى الخارج من التلال الشاهقة فى الهواء، الممتدة إلى أمد بعيد. فإذا هبت الريح فهى القيامة، ولا ترى إلا غبارا منبثا على البيوت، متلفا للصحة وللعيون، حتى قيّض الله تعالى لها المرحوم محمد على باشا، فأخذ فى مداواة أمراضها شيئا فشيئا، وحذا حذوه من تولى الملك من عائلته، حتى اكتست حلل البهاء والنضارة المشاهدة الآن. وسأسرد عليك