وكثير منهم دخل بلا امتحان وشهادة تدل على أهليته لتلك الوظيفة، وأكثرهم كان من أولاد العرب العطشجية، لا يدرى ما يختص بالبخار وأحواله، بل يجهل جميع ما يتعلق بالسكك الحديد والوابورات، ويندر فيهم من يعرف الكتابة والقراءة، وكل ذلك مما لا يخفى ضرره.
وكانت المصلحة، مع عدم خفاء ذلك عليها، تغض الطرف عما يقع منهم بسبب قلة مرتباتهم، وترى أن فى ذلك وفرا وربحا عن استخدام المتقنين للصنعة من الإفرنج وغيرهم، بسبب زيادة مرتباتهم، مع أنها لو نسبت ما يوفره المتقنون للصنعة مع زيادة مرتباتهم إلى ما يصرف فى عمارة ما يفسده غير المتقنين لها، لعلمت أن كثرة مرتبات المتقنين قليلة بالنسبة لذلك، فكانت ترجع عن هذا الرأى، وتأخذ فى إبعاد كل جاهل بالمصلحة، وتنتخب من/ تلامذة المدارس جملة، تربيهم فى الورش حتى يتقنوا ذلك الفن، ويتأهلوا للقيام بتلك المصلحة على الوجه المرغوب، ولا تستعمل من الخدمة إلا من له قدرة على القيام بما فيه الأرجحية إلى حين تمام تربية التلامذة واستعدادهم.
ولو قدّر وشرع فى هذه الفكرة من وقت إنشاء السكة، لصار الاستحصال بعد ذلك بسنين قليلة على جميع اللازم من المستخدمين، فتزول المضار، وتجلب المنافع والفوائد العظيمة من تلك المصلحة، ولكن حصل السكوت عن ذلك إلى زمن الخديوى إسماعيل باشا، فصدرت أوامره السنية بإنشاء مدرسة العمليات؛ بقصد تربية تلامذة من أبناء الوطن، يقومون بوظائف هذه المصلحة وأمثالها من سواقين ومهندسين للوابورات البرية والبحرية.
وفى أثناء تلك المدة صار الاهتمام بتعمير المتخرب من الوابورات، البعض فى ورشة المصلحة والبعض أرسل إلى بلاد الإنكليز ليعمر هناك بالأجرة، ورتبت رجال العمارة بالنسبة لدرجاتهم فى الاستعداد، وكذا السوّاقون، وعملت جداول لجميع الوابورات مشتملة على تاريخ مشتراها، وبيان الورش التى جلبت منها، وعدد العمارات التى حصلت لكل وابور على حدته، ومقدار الأميال التى مشاها، وكمية ما نقله من البضائع، وكل ذلك ليتأتى مقارنة