ابن عبد الغفار: إنها ظهرت فى حارة الجامع الأزهر المعمور بذكر الله تعالى فى العشر الأول من هذا القرن (العاشر) وكانت تشرب فى نفس الجامع برواق اليمن يشربها فيه اليمانيون، ومن يسكن معهم فى رواقهم من أهل الحرمين الشريفين، وكان المستعمل لها الفقراء المشتغلون بالرواتب من الأذكار والمديح على طريقتهم المذكورة، وكانوا يشربونها كل ليلة اثنين وجمعة يضعونها فى ماجور كبير من الفخار الأحمر ويغترف منها النقيب بسكرجة صغيرة ويسقيهم الأيمن فالأيمن مع ذكرهم المعتاد عليها وهو غالبا «لا إله إلا الله الملك الحق المبين».
وكان يشربها معهم موافقة لهم من يحضر الرواتب من العوام،/وغيرهم قال: وكنا ممن يحضر معهم وشربناها معهم فوجدناها فى إذهاب النعاس والكسل كما قالوا. بحيث إنها تسهرنا ليالى لا نحصيها إلى أن نصلى الصبح مع الجماعة من غير تكلف، وكان يشربها معهم من أهل الجامع من أصحابنا وغيرهم خلق لا نحصيهم، ولم يزل الحال على ذلك، وشربت كثيرا فى حارة الجامع الأزهر وبيعت بها جهرا فى عدة مواضع، ولم يتعرض أحد مع طول المدة لشرابها، ولا أنكر شربها لا لذاتها ولا لوصف خارج عنها من إدارة وغيرها مع اشتهارها بمكة وشربها فى نفس المسجد الحرام وغيره، بحيث لا يعمل ذكر أو مولد إلا بحضورها، وفشت فى المدينة الشريفة دون فشوّها فى مكة، بحيث إن الناس يطبخونها فى بيوتهم كثيرا ثم حدث الإنكار عليها بمكة المشرفة فى عام سبعة عشر وتسعمائة، من أخوين أعجميين مشهورين بالحكيمين، لهما فضيلة فى المنطق والكلام ومشاركة فى الطب، ويدعيان مرتبة فى الفقه لم تسلم لهما، ثم رحلا إلى مصر فى أواخر دولة الغورى وأقاما بها حتى قدم إليها السلطان المظفر سليم شاه فقتلهما توسيطا لما كانا يرميان به، وأعانهما على القيام فى أمرها الشيخ شمس الدين محمد الحنفى الخطيب نقيب قاضى القضاة سرىّ الدين بن الشحنة وناس آخرون، فأغرى الشيخ شمس الدين المذكور الأمير خير بيك المعمار باش مكة ومحتسبها إذ ذاك على إبطالها من