للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، فقالوا لها: حياتك الباقية فقامت وجلست، وهى تقول لا حياة لى بعدها وصارت تنتحب حتى طلع النهار، وجهزوها بين يديها وحملوا جنازتها ورجعت إلى فراشها ودخلت فى سكرات الموت، وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها فى اليوم الثانى.

قال: وهذا من أعجب ما شاهدت وسنى إذ ذاك أربع عشرة سنة واشتغل الوالد فى أيام اشتغاله بتجويد الخط، فكتب على عبد الله أفندى الأنيس، وحسن أفندى الضيائى، طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك، وأجازه الكتبة وأذنوا له أن يكتب الإذن على اصطلاحهم، ثم جود فى التعليق على أحمد أفندى الهندى النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها.

وكتب الديوانى والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسى والتركى، حتى أن كثيرا من الأعاجم والأتراك يعتقدون أن أصله من بلادهم لفصاحته فى التكلم بلسانهم ولغتهم.

ثم فى سنة أربع وأربعين اشتغل بالرياضيات فقرأ على الشيخ محمد الجناجى رقائق الحقائق للسبط الماردينى والمجيب والمقنطر والدر لابن المجدى ومنحرفات السبط، وإلى هنا انتهت معرفة الشيخ الجناجى، وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والارتفاع والتقاسيم والأرباع، والميل الثانى والأول والأصل الحقيقى وغيره، واستخرج نتائج الدر اليتيم والتعديل والتقويم، وحقق أشكال الوسائط فى المنحرفات والبسائط والمحلولات وحركات التداوير والنطاقات والتشهيل والتقريب والحل والتركيب والسهام والظلال ودقائق الأعمال، وانتهت إليه الرياسة فى الصناعة وأذعنت له أهل المعرفة بالطاعة، وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشترى، وشهد له الطوسى والأبهرى وتبوأ من تلك الفنون مكانا عليا وزاحم بمنكبه العيوق والثريا.