وكان وقورا محتشما مهيبا فى الأعين، معظما فى النفوس، محبوبا للقلوب، لا يعادى أحدا على الدنيا، فلذا لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه فى شئ، ومكارم الأخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم الغيظ والانبساط مع الجليل والحقير، كل ذلك سجية له من غير تكلف ولا يعرف التصنع فى الأمور، ولا يرى لنفسه مقاما ولا علما ولا مشيخة على التلاميذ، ولا يرضى التعاظم ولا تقبيل اليد، وله منزلة فى قلوب الأكابر والأمراء والوزراء ويسعون إليه ويذهب إليهم لبعض المقتضيات، ويرسل إليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون فى حاجته لمعرفته بلسانهم واصطلاحهم ورغبتهم فى مزاياه ومعارفه المختص بها دون غيره، سيما أكابر العثمانية مثل على باشا الحكيم، وراغب باشا وأحمد باشا الكور، كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشئ من أسباب الدنيا، كوظيفة أو مرتب أو فائظ، وكان له محبة مع عثمان بيك ذى الفقار، وحج فى إمارته على الحج ثلاث مرات من ماله، ولم يصله منه سوى ما كان على سبيل الهدية، وكان منزل سكنه الذى بالصنادقية ضيقا من أسفل وكثير الدّرج، فعالجه إبراهيم كتخدا على أن يشترى أو يبنى له دارا واسعة فلم يقبل، وكذا عبد الرحمن كتخدا، وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا بالقرب من الأزهر، وآخر بالأبزارية بشاطئ النيل، ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه، وفى كل منزل زوجة وسرارى وخدم، فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته، وكان يقتنى المماليك والعبيد والجوارى البيض والحبوش والسود.
وله من الأولاد نيف وأربعون ولدا ذكورا وإناثا كلهم دون البلوغ، ولم يعش له من الأولاد سوى الحقير، وكان يرى الاشتغال بغير العلم من العبثيات وإذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه وأكرمه خصوصا إذا كان غريبا، وربما دعاه للمجاورة عنده وصار من جملة عياله، ومنهم من أقام عشرين عاما لا يتكلف شيئا من أمر معاشه، حتى غسل ثيابه من غير ملل ولا ضجر.