وداخل هذا الهيكل العظيم وخارجه وأعلاه وأسفله تصاوير، كلها مختلفات الأشكال والصفة، منها تصاوير هائلة المنظر خارجة عن صور الآدميين يستشعر الناظر إليها رعبا ويمتلئ منها عبرة وتعجبا وما فيها مغرزاشفى، ولا إبرة إلا وفيه صورة أو نقش أو خط بالمسند لا يفهم، قد عم هذا الهيكل العظيم الشأن كله هذا النقش البديع، ويتأتى فى صم الحجارة من ذلك ما لا يتأتى فى الرخو من الخشب، فيحسب الناظر استعظاما له أن عمر الزمان لو شغل بترقيشه وترصيعه وتزيينه لضاق عنه، فسبحان الموجد للعجائب لا إله سواه.
وعلى أعلى هذا الهيكل سطح مفروش بأنواع الحجارة العظيمة وهو فى نهاية الارتفاع يحار الوهم فيها، ويضل العقل فى الفكرة فى تطليعها ووضعها، وداخل هذا الهيكل من المجالس والزوايا والمداخل والمخارج والمصاعد والمعارج والمسارب والموالج، ما تضل فيه الجماعات من الناس، ولا يهتدى بعضهم لبعض إلا بالنداء العالى، وعرض حائطه ثمانية عشر شبرا من حجارة مرصوصة على الصفة التى ذكرنا.
وبالجملة فشأن هذا الهيكل عظيم ومرآه أحد عجائب الدنيا التى لا يبلغها الوصف ولا ينتهى إليها الحد، وإنما وقع الإجماع على ذكر نبذة من وصفه دلالة عليه، والله المحيط بالعلم فيه والخبير بالمعنى الذى وضع له انتهى.
ونقل المقريزى عن بعض الحكماء أنه قال: أخبرنى غير واحد من بلاد إخميم من صعيد مصر عن أبى الفيض ذى النون بن إبراهيم المصرى الإخميمى الزاهد، وكان حكيما وكانت له طريقة يأتيها ونحلة يعضدها، وكان ممن يقر على أخبار هذه البرابى، وامتحن كثيرا مما صوّر فيها ورسم عليها من الكتابة والصور.