هذه الحادثة عقب دخول جوهر القائد بلاد مصر، فلما بلغه الخبر أرسل إلى كركى ملك النوبة يدعوه إلى الإسلام ويدفع البقط (١) الذى تقرر على بلاده فى مبدأ الفتح الإسلامى وكانت تدفعه أسلافه، فلم يجب إلى الدخول فى الإسلام وأكرم الرسل وأرسل معهم هدايا إلى الخليفة لا يعلم ما صار بعدها إلى زمن خلافة المستنصر بالله، فقام على مدينة أسوان أمير يسمى كنز الدولة وقتل كثيرا من أهلها ورفع لواء العصيان، فحاربه بدر الجمالى وانتصر عليه، ففر إلى ملك النوبة فطلبه منه بدر الجمالى فأرسله إليه فى الأغلال، فأخذه وصلبه على أحد أبواب الفسطاط، ورتب من ذلك الحين عساكر للمحافظة على المدينة فأوجب ذلك أمان الأهالى واشتغالهم بتجارتهم ومصالحهم، واستمر الأمر على ذلك مدة ثم تلاشى وصارت لا يرسل إليها عسكر المحافظة، فلما انقضت مدة الفاطميين هجم عليها ملك النوبة فهدم بيوتها وأسر أهلها ولم يكتف بذلك بل كان يتوغل فى دخول القطر شيئا فشيئا ويقويه كثرة الفتن فى الديار المصرية وتلاشى أمر الحكومة، واستمر هذا الحال إلى سنة ٥٦٨ هـ فهجم بجيش جرار على الأقاليم القبلية ونهب أكثر البلاد وخربها.
وكان الملك صلاح الدين حاكما على الديار المصرية، فأرسل فرقة من العساكر تحت إمرة أخيه شمس الدولة فتوجه قاصدا بلاد النوبة، ولما بلغ ملك النوبة حضور العساكر لحربه فارق أرض مصر فلحقه شمس الدولة وحاصر مدينة إبريم ونهبها وأسر أهلها، وكان ملك النوبة قد رحل إلى أرضه فلم يسر خلفه شمس الدولة، وأقطع مدينة إبريم بأرضها لأمير من الأكراد يسمى إبراهيم، وجعل معه عددا كافيا من العساكر ورجع إلى الديار المصرية ومعه من الأسرى سبعين ألفا على ما ذكره المؤرخ أبو صلاح، وهذا لا يخلو من المبالغة، إلا أنه
(١) البقط: من الأرض البقل والعشب. والمراد أن نعطى الجنان على الثلث أو الربع-اللسان-بقط