للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يستدل منه على أن أهالى الجهات القبلية وبلاد النوبة كانوا فى تلك الحقبة على غاية من الضّرر، لأنهم كانوا فى طريق العساكر الأهلية ومطمح نظر الأشقياء من العريان وبلاد النوبة.

وكان الحاكم بمدينة أسوان سنة ٦٧٠ (١) هـ من طرف الحكومة المصرية الأمير كنز الدولة، وكان ذا عزة وجاه وله اتحاد بعرب البادية ويميل إلى الفاطميين فرفع لواء العصيان، وجمع كثيرا من العبيد والعرب وألبسهم الأسلحة وجعلهم جيشا دخل به فى البلاد واستولى على مدينة قوص، وقتل جميع أصحاب الإقطاعات وأخذ أموالهم وأرزاقهم وأغرى كثيرا من البلاد فكانوا معه، ولكن لم تطل مدته فإنه لما بلغ خبره الملك صلاح الدين أرسل له العساكر مع أخيه الملك العادل، فحاربه عند مدينة طود فانهزم وفر هاربا فلحقه وقتله.

وبعد ذلك بزمن قريب سنة ٦٧١ هـ عدى ملك النوبة على عيذاب وأراضى أسوان، ونهب البضاعة التجارية منهما، وخربهما وهدم بيوتهما وأسر أهلهما، وقصد دخول أرض الصعيد، فمنعه حاكم مدينة قوص وطرده من الديار المصرية، وسار خلفه فى بلاده ونهبها وأسر جملة من أمرائها وعرضهم على السلطان فأمر بتوسيطهم-أى قطع أوساطهم بالسيف- يقال كما فى كتب اللغة وسطه قطعه قطعتين من وسطه انتهى.

وربما كانت بلاد النوبة إلى ذلك الوقت تشن الغارة على أرض مصر وتضر بالأهالى والزراعة والعمارات، فلذلك كانت سلاطين مصر تترقب اغتنام فرصة للدخول فى تلك الأرض وإدخالها تحت حكمهم وتصرفهم، فلم يمض إلا زمن يسير حتى فرّ ابن ملك النوبة من عمه واستجار بالسلطان صلاح الدين (٢) سنة ٦٧٤ هـ فأصغى لشكواه وجهز جيشا عظيما من


(١) الصحيح: سنة ٥٧٠ هـ. انظر: ابن الأثير: الكامل فى التاريخ، ص ٦٤ - ٦٥، بيروت ١٩٨٧.
(٢) الصحيح: واستجار بالسلطان الظاهر بيبرس البندقدارى. انظر: المقريزى: السلوك، ج ١ ق ٢، ص ٦٢١.