المماليك والعرب والأتراك وجعله تحت إمرة الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقانى الأستادار، والأمير عز الدين أيبك الأفرم الخازندار، فقاما وأخذا معهما ابن الملك وتوجها إلى بلاد النوبة وحاربا أهلها وتغلبا على قلعة داو وأخذا ما فيها وأسرا أهلها، ثم اقتفيا أثر ملك النوبة داخل بلاده، وحصل بينهم جملة وقعات كان النصر فيها للمصريين وقتل أغلب عساكر النوبة فما زالوا يقتلون ويأسرون وينهبون المدن التى يمرون عليها، حتى أسروا أم الملك وأخته وكثيرا من الأمراء، ودخلوا مدينة دنقلة وجعلوا الملك على بلاد النوبة ابن أخيه الذى التجأ إلى السلطان، وعقدوا له مجلسا حضره الخاص والعام، وأخذوا عليه الشروط والمواثيق بالامتثال والطاعة لسلطان مصر، وفرضوا عليه خراجا يقوم بدفعه فى كل سنة إلى الخزينة المصرية، وهو ثلاثة أفيال وثلاث زرافات وخمسة من إناث النمر ومائة هجين ومائة ثور منتخبة، وجعلوا نصف إيراد بلاد النوبة يرسل إلى الديار المصرية والنصف الآخر للوازم الحكومة، وجعلوا وادى الحجر الذى هو الأرض الملاصقة لأرض مصر ومساحتها تقريبا ربع مساحة بلاد النوبة تابعا لمصر، ومحصولاته من قطن ونخيل وخلافهما للحكومة المصرية وخيروا الأهالى بين/الإسلام والجزية والموت فاختاروا الجزية، فجعلوا على كل من بلغ الحلم فى كل سنة دينارا، وحلف الملك والرعايا على قبول ذلك والعمل به.
ثم بعد ذلك دخل الجيش مصر ومعه عدد وافر من الأسرى بعد أن مات منهم خلق كثير فى الطريق، والذى وصل إلى القاهرة عشرة آلاف رأس، بيع الرأس منها بثلاثة دراهم، ومن هذا العهد صارت بلاد الحجر تابعة للحكومة المصرية، وجعل فى مدينة دنقلة مأمورون من طرف السلطان صلاح الدين لجمع الخراج وتوصيله للخزينة المصرية، واستمر الأمر على ذلك فى زمن من عقبه على تخت الديار المصرية، إلا أنه كانت تحصل أمور توجب دخول العساكر المصرية أرض النوبة، كما حصل ذلك فى زمن السلطان محمد بن قلاوون (١)، فإن العساكر المصرية ذهبت إليها مرتين فى سنة ٦٨٦ هـ والتى بعدها، بسبب التجاء ابن أخى
(١) الصحيح: السلطان المنصور قلاوون [٦٧٨ - ٦٨٩ هـ]. انظر: السلوك، ج ١ ق ٣، ص ٧٣٦ - ٧٣٧، القاهرة ١٩٧٠.