للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأكل وغير ذلك، بحيث إن جميعهم بذلوا وسعهم وفعلوا ما فى قوتهم وطاقتهم، وسمحت نفوسهم بإنفاق أموالهم فلم يشح فى ذلك الوقت أحد بشئ يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر، وخرجت الفقراء وأرباب الأشائر بالطبول والزمور والأعلام والكؤوسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة/وصعد السيد عمر أفندى النقيب إلى القلعة، فأنزل منها بيرقا كبيرا تسميه العامة البيرق النبوى، فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصى، يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح، وأما مصر فإنها بقيت خالية الطرق، ما تجد بها أحدا سوى النساء فى البيوت والصغار وضعفاء الرجال الذين لا يقدرون على الحركة، والأسواق مصفرة والطرق مجفرة عن عدم الكنس والرش، وغلا سعر البارود والرصاص بحيث بيع رطل البارود بستين نصفا، وغلا السلاح وقل وجوده وجلس المشايخ والعلماء بزاوية على بيك ببولاق يدعون ويبتهلون إلى الله تعالى بالنصر، وأقام غيرهم من الرعايا بعضهم بالبيوت وبعضهم بالزوايا والبعض بالخيام.

ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول إلى بولاق، وأقام بها من حين نصب إبراهيم بيك العرضى هناك، إلا القليل من الناس الذين لا يجدون لهم مأوى ولا مكانا فيرجعون إلى بيوتهم يبيتون بها ثم يصبحون إلى بولاق، وأرسل إبراهيم بيك الى العرب المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا فى المقدمة بنواحى شبرى وما والاها، وكذلك اجتمع عند مراد بيك الكثير من عرب البحيرة والجيزة والصعيد، وفى كل يوم يتزايد الجمع ويعظم الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يوما فيوما، لتعطل الأسباب واجتماع الناس كلهم فى صعيد واحد وانقطاع الطريق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم التفات الحكام واشتغالهم بمادهمهم.