أما بلاد الأرياف فإنها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضا وكذلك العرب أغارت على الأطراف والنواحى، وصار قطر مصر من أوّله إلى آخره فى قتل ونهب وإخافة طريق وقيام شر وإغارة على الأموال وإفساد مزارع وغير ذلك مما لا يحصى، وطلب أمراء مصر التجار من الإفرنج فحبسوا بعضهم بالقلعة وبعضهم بأماكن الأمراء وصاروا يفتشون فى محلات الإفرنج على الأسلحة وغيرها، وكذا يفتشون بيوت النصارى والشوام والأروام والكنائس والأديرة والعوام لا ترضى إلا أن يقتلوا النصارى واليهود وتمنعهم الحكام عنهم، ولولا ذلك المنع لقتلتهم العامة فى وقت الفتنة، ثم فى كل يوم تكثر الإشاعة بقرب الفرنسيس إلى مصر وتختلف الناس فى الجهة التى يقصدون المجئ منها فمنهم يقول: إنهم واصلون من البر الغربى، ومنهم من يقول: بل يأتون من الشرقى، ومنهم من يقول: يأتون من الجهتين، هذا وليس لأحد من أمراء العسكر همة أن يبعث جاسوسا أو طليعة تناوشهم القتال قبل دخولهم وقربهم من مصر، بل كل من إبراهيم بيك ومراد بيك جمع عسكره ومكث بمكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم، وليس ثمّ قلعة ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير وإهمال أمر العدو.
ولما كان يوم الجمعة سادس شهر صفر وصل الفرنسيس إلى الجسر الأسود وأصبح يوم السبت فوصلوا إلى أم دينار، وعندها اجتمع العالم العظيم من الجند والرعايا والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر، لكن الأجناد متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم مختلفة آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم، مغترون بجمعهم محتقرون شأن عدوّهم مرتبكون فى رؤيتهم مغمورون فى غفلاتهم، وقد كان الظن بالفرنسيس أن يأتوا من البرين بل أشيع فى عرضى إبراهيم بيك أنهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا إلا من البر الغربى.