ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العسكر الذين فى البر الغربى وتقدموا إلى ناحية بشتيل، وهى بلدة مجاورة لإنبابة فتقاتلوا مع مقدمة الفرنسيس فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمى، وقتل أيوب بيك الدفتردار وعبد الله كاشف الجرفى وعدد كبير من كشاف محمد بيك الألفى ومماليكه، وكانت مقدمة الفرنسيس نحو ستة آلاف وكبيرهم الوزير الذى ولى على الصعيد بعد تملكهم.
وأما بونابارت الكبير فإنه لم يشاهد الوقعة بل حضر بعد الهزيمة وكان بعيدا عن هؤلاء بكثير، ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بيك ترامى الفريقان بالمدافع، وكذلك العساكر المحاربون المصريون، وحضر عدة وافرة من عساكر الأرنؤود من دمياط، وطلعوا إلى إنبابة وانضموا إلى المشاة وقاتلوا معهم فى المتاريس، فلما عاين وسمع عسكر البر الشرقى القتال، ضج العامة والغوغاء من الرعية وأخلاط الناس بالصياح ورفع الأصوات بقولهم:
يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك، وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم فكان العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك ويقولون لهم: إن الرسول والصحابة والمجاهدين إنما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب، لا برفع الأصوات والصراخ والنباح فلا يسمعون ولا يرجعون عما هم فيه، وركب طائفة كبيرة من الأمراء والأجناد من العرضى الشرقى، ومنهم إبراهيم بيك الوالى وشرعوا فى التعدية إلى البر الغربى فتزاحموا على المعادى لكون التعدية من محل واحد والمراكب/قليلة جدا فلم يصلوا إلى البر الآخر حتى وقعت الهزيمة على المحاربين المصريين واشتد هبوب الريح واضطربت أمواج البحر وثار غبار الرمال فى وجوه المصريين فلا يقدر أحد أن يفتح عينيه، وكانت الريح آتية من ناحية العدوّ فكان ذلك من أسباب الهزيمة.