ثم إن الطابور الذى تقدم لقتال مراد بيك انقسم على كيفية معلومة عندهم فى الحرب وتقارب من المتاريس، بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفه وأمامه ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية فصمت الأسماع من توالى الضرب وخيل للناس أن الأرض تزلزلت والسماء عليها سقطت، واستمرت الحرب نحو ثلاثة أرباع ساعة، ثم كانت الهزيمة على العسكر الغربى، فغرق الكثير من الخيالة فى البحر لإحاطة العدوّ بهم وظلام الدنيا، والبعض وقع أسيرا فى أيدى الفرنسيس وملكوا المتاريس وفرّ مراد بيك ومن معه إلى الجيزة، فصعد إلى قصره وقضى بعض أشغاله فى نحو ربع ساعة، ثم ركب وذهب إلى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والأمتعة والأسلحة والفرش ملقاة على الأرض ببر إنبابة تحت الأرجل.
وكان من جملة من ألقى نفسه فى البحر سليمان بيك المعروف بالأغا وأخوه إبراهيم بيك الوالى، فأما سليمان بيك فنجا وغرق إبراهيم بيك الصغير وهو صهر إبراهيم بيك الكبير، ولما انهزم العسكر الغربى حوّل الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقى وضربوها وتحقق أهل البر الآخر الهزيمة، فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب فى الحال إبراهيم بيك والباشا والأمراء والعساكر والرعايا وتركوا جميع الأثقال والخيام كما هى ولم يأخذوا منها شيئا، فأما إبراهيم بيك والباشا والأمراء فساروا إلى جهة العادلية، وأما الرعايا فهاجوا وماجوا ذاهبين إلى جهة المدينة ودخلوها أفواجا أفواجا وهم فى غاية الخوف والفزع وترقب الهلاك، يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون إلى الله من شر هذا اليوم الصعب، والنساء يصرخن بأعلى أصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب، فلما استقر إبراهيم بيك بالعادلية أرسل فأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الأمراء، فأركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال والبعض ماش كالجوارى والخدم، واستمر معظم الناس طول