قال ابن جلجل، ولم يكن يومئذ بقرطبة من نصارى الأندلس من يقرأ الإغريقى الذى هو اليونانى القديم فبقى كتاب ديسقورديس. فى خزانة عبد الرحمن الناصر باللّسان الإغريقى ولم يترجم إلى اللّسان العربى وبقى الكتاب بالأندلس، والذى بين أيدى الناس ترجمة أصطوفان الواردة من مدينة السلام- (بغداد) -فلما جاوب الناصر أرمانيوس الملك سأله أن يبعث إليه برجل يتكلم بالإغريقى واللتينى ليعلم له عبيدا يكونون مترجمين، فبعث أرمانيوس الملك إلى الناصر براهب كان يسمى (نقولا) فوصل إلى قرطبة سنة أربعين وثلاثمائة، وكان يومئذ بقرطبة من الأطباء قوم لهم بحث وتفتيش وحرص على استخراج ما جهل من أسماء عقاقير ديسقورديس إلى العربية، وكان أبحثهم وأحرصهم على ذلك من جهة التقرب إلى الملك عبد الرحمن الناصر حسداى بن بشروط الإسرائيلى، وكان نقولا الراهب عنده أحظى الناس وأخصهم به وفسر من أسماء عقاقير كتاب ديسقورديس ما كان مجهولا، وهو أول من عمل بقرطبة ترياقا على تصحيح الشجارية التى فيه، وكان فى ذلك الوقت من الأطباء الباحثين عن أسماء عقاقير الكتاب وتعيين أشخاصه محمد المعروف بالشجار، ورجل كان يعرف بالبسباسى، وأبو عثمان الجزار الملقب باليابسى، ومحمد بن سعيد الطبيب، وعبد الرحمن بن إسحاق بن هيثم، وأبو عبد الله الصقلى وكان يتكلم باليونانية ويعرف أشخاص الأدوية.
قال ابن جلجل: وكان هؤلاء النفر كلهم فى زمان واحد مع نقولا الراهب أدركتهم وأدركت نقولا الراهب فى أيام المستنصر، وصحبتهم فى أيام المستنصر الحكم، وفى صدر دولته مات نقولا الراهب فحصل ببحث هؤلاء النفر الباحثين عن أسماء عقاقير كتاب ديسقورديس، تصحيح الوقوف على أشخاصها بمدينة قرطبة خاصة بناحية الأندلس، وأزال الشك فيها عن القلوب، وأوجب المعرفة بها والوقوف على أشخاصها وتصحيح النطق بأسمائها بلا تصحيف إلا القليل، منها الذى لا بال به ولا خطر له، وذلك يكون فى مثل عشرة أدوية.