وقد تنبه لذلك عبد الحميد بن عبد الله، من ذرية سيدنا عمر بن الخطاب ﵁، فأكمن لهم فى الصعيد، فبعد أن أغاروا ورجعوا قام عليهم الكمن فقتلهم وقتل رئيسهم الأعور.
وفى المقريزى أيضا: أن فى البجة فى الإسلام وقبله أذية على شرق صعيد مصر، خربوا هناك قرى عديدة، وكانت فراعنة مصر تغزوهم وتوادعهم أحيانا لحاجتهم إلى المعادن، وكذلك الروم حين ملكوا مصر، ولهم فى المعادن آثار مشهورة، وكان أصحابهم بها وقد فتحت مصر.
قال عبد الرحمن بن عبد الحكم: إن عبد الله بن سعد عند رجوعه من حرب النوبة وجد البجة مجتمعين على شاطئ النيل فسأل عنهم فقيل له: إنهم قوم لا رئيس لهم فتركهم بدون اعتناء بهم، ولم يعمل معهم شروط مصالحات. وأول من صالحهم عبد الله ابن الحجاب السلولى. ويقال إنه مذكور فى خطابه أنه يدفع إلى البجاة ثلثمائة بعير على أن يحضروا فى مصر، بشرط أن لا يقيموا بها، وتعهد البجاة أنهم لا يقتلون مسلما ولا ذميا، وإن حصل ذلك منهم بطلت الشروط المعقودة، وشرط عليهم أن لا يؤوا آبقا من عبيد المسلمين، ولا فارّا من الأهالى، وأن من يسرق منهم شاة يدفع أربعة دنانير، وبقرة يدفع عشرة، ووكيلهم يسكن الصعيد رهينة عند المسلمين.
وفى بعض الأزمان توجه كثير من المسلمين إلى المعدن، واختلطوا بالبجاة ونكحوا من نسائهم، فدخل فى الإسلام كثير منهم من القبيلة المعروفة بالحدارب، ولكن كان إسلامهم ضعيفا وكان الحدارب مع كثرتهم أقل عددا من الزنافج، وهم قبيلة أخرى من البجاة أكثر عددا، وكانوا متغلبين فى القديم على الحدارب، لكن بتوالى الدهور صار الحدارب حاكمين عليهم حتى جعلوهم بمثابة الرعاة لإبلهم، والخدم فى مصالحهم، وكل واحد من الحدارب كان رئيسا على عدة من الزنافج يرثهم عنه أولاده، وكان أكثرهم شهرة وشجاعة يسكن بجوار عيذاب والعلاقى، وهو محل معدن الذهب.