وكان المحمل فى القديم يخرج من القاهرة بزينة، فينزل بالمحل المعروف بالريدانية، يقيم به يوما وليلة ثم يرحل إلى البركة، فبطل ذلك قديما. واستمر أمير الركب من حين خروجه من القاهرة لا ينزل إلا بالبركة، وطريقها فضاء وحصباء ورمل، وبالبركة نخل كثير وبعض سكان وبيوت بجوار زلوية الشيخ الصالح المعتقد إبراهيم المتبولى. وبها فسقية قديمة للماء عمّرها عظيم الدولة، فى زمن الملك المؤيد والملك الأشرف برسباى. وهو عبد الباسط بن خليل الدمشقى، وابتدأ فى عمارة ذلك فى شهر شوال سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وأنشأ بجانبها بئرا وبستانا، ثم استجد المقام العالى داود باشا تغمده الله برحمته، بالبركة فى نيف وخمسين وتسعمائة حوضا يشتمل على محراب للصلاة ومعرفة القبلة وأواوين يجلس عليها/المسافرون للاستراحة من التعب فى ضمن عمارة عالية يراها المسافر من بعد، وقد أحسن في عمارة ذلك ما شاء، حصل به نفع كبير أثابه الله تعالى.
وذكر لى صاحبنا زين الدين، الخولى بالسواقى السلطانية، أن أصل هذا الحوض بئر، كان اشتراها الخولى زين الدين المذكور، وأنشأ بجانبها بئرا أخرى وحوضا كبيرا طوله ستة وسبعون ذراعا، وجعل بجانب ذلك بستانا وسبيلا، فمرّ داود باشا على ذلك الحوض والبئرين فى بعض منتزهاته، فرأى قافلة وردت من السويس تستقى من الحوض، وكان الوقت حارا فطلب ماء من السبيل فشرب منه وأعجب به، فسأل عن مالكه فأخبر أنه للخولى زين الدين، فطلبه منه هبة، فذكر أنه امتنع من إعطائه، وقال إنه وقف وأنه أذن له أن يعمر فيه ما شاء، فأنشأ به إيوانا مستطيلا وفسقية ومحرابين وعقودا عالية واستمر منهلا للواردين والمسافرين أثابه الله تعالى.
قلت: وقد اتفق فى البستان الذى بجانب هذا الحوض المستجد الذي أنشأ فى زمن داود باشا، نزاع كبير، بين الخولى زين الدين وكتخدا داود باشا وهو الأمير أحمد مملوك المشار إليه، وعتيقه المشهور بحاجى كتخدا، فادعى الخولى أن البستان له وأنه زرعه وليس لداود باشا فيه ملك ولا وقف، وأحضر حاجى أحمد، كتخدا الواقف، مكتوب وقفه، وأحضر المسجل وكشف عن تاريخ ذلك منه، ووجد للسجل نسخة عند صاحبنا