وقال (استرابون) فى كتابه الذى ألفه بعد سياحته إلى جزيرة فيلة: «إن هذه المدينة موضوعة فوق الشلال الأخير بقليل وليست أقل من مدينة ايليفنتينة فى الاتساع، بل كانتا متماثلتين وكان سكانهما مصريين ونوبيين، وكان فيهما هياكل قديمة من أبنية الفراعنة كانوا يعبدون فيها طيرا يسمونه الباشق، ولكنه لم ير فيه مشابهة لشئ من طيور الباشق اليونانية ولا المصرية، بل كان أكير منهما جسما، وصفاته تخالف صفات الباشق بكثير، وقد أخبروا بأنه مولود فى ايتوبيا فإذا مات أحضروا منها باشقا غيره وأن الطير الذى رآه بها كان مشرفا على الهلاك من المرض».
وذكر أنه لما رحل من أسوان إلى فيلة سافر فى عربات هو ومن كان معه فساروا مسافة مائة غلوة يونانية فى وسط سهل مستو، وكانوا يرون فى طول الطريق على اليمين واليسار كثيرا من صخور مستديرة مصنوعة من الحجر الأسود الصلد الذى كان أهل فيلة يصنعون منه الأجران، وكانت موضوعة على قواعد من الحجر أعظم منها سعة وضخامة مسندة إليها صخرة ثالثة، ويرى فى بعض الأماكن بعضها/متفرقا عن بعض وأن أكبرها لا ينقص عرضه عن ١٢ قدما وعرض أصغرها يزيد عن نصف ذلك، وكان القصد منها الرمز لصورة هرمس المثلث، ولم تتغير حالة هذه الطريق إلى زمن الفرنساوية إلا أن الرمال المنسوفة بالرباح حصل منها تغيير للصورة الأصلية بردم بعض الصخور وارتفاع بعض مواضع من الطريق.
ومن الغرائب أنه لم يتكلم على الحائط القاطع لهذه الطريق فى جملة نقط منها، وهو مبنى من اللبن المستعمل فى مبان كثيرة من هذا النوع فى الأزمان القديمة للمصريين، وسمك هذا الحائط على ما ذكر فى خطط مصر للفرنساوية متران، وكان الباقى من ارتفاعها ٤ أمتار، وهى قديمة من أعمال الفراعنة، ولعلها كانت لحفظ هذ الموضع من سطوات أهل النوبة والعرب القاطنين بضواحيها فى صحراء البحر الأحمر، فكانت حصنا لحفظ الجزيرة والمارين فى الطريق إليها أو منها إلى داخل وادى النيل