وقال كترمير أيضا فى الكلام على السلطان قلاوون: إنه بعد انقضاء الحروب سنة ستمائة واثنتين وثمانين من الهجرة اشتغل السلطان بأمر البلاد، وكانت مديرية البحيرة قد خربت عن آخرها وأمحلت أرضها وأضحت سهولا ترعى فيها العرب بعد أن كانت فى غاية من العمارية، وكانت أرضها أخصب الأراضى. وقد ذكر له بعض جلسائه أن خراب تلك البلاد ومحل أرضها سببه قلة الماء بها، وأن هناك خليجا قديما فى محل يعرف بالطبرية ردمته الرمال، ولو حصلت الهمة فى حفره عادت إليها عماريتها وخصوبة أرضها، لكن يلزم له كثرة الرجال والشغالين ليتم حفره قبل مجئ النيل عليه، لأنه إذا حفر بعضه وبقى البعض ردم النيل ما حفر، وليس فى أهل تلك المديرية كفاية لذلك، فصغا السلطان لقوله ووقع منه موقع القبول، وكتب فى الحال لحكام كافة المديريات البحرية بجمع الأنفار والأبقار، ووعد بأنه يحضر فى العمل بنفسه وجيشه للمساعدة، وبعد قليل سار إليه مع أولاده والملك المنصور وأمير حماة وأمراء البلد والعساكر، وكان قيامه فى الخامس من المحرم ووصوله إلى محل العمل فى الثامن منه، وقسم الخليج على الأمراء وجعل لنفسه قسما معهم فاجتهد كل منهم فى حصته بخدمه ومماليكه، وجلبوا رجالا بالأجرة وتنافسوا للتقدم. وكان السلطان يطوف بنفسه ويقف عند كل قسم ويشجعهم بالهدايا والعطايا ويطعم رجال قسمه، ومن زيادة اهتمامه بتنجيز العمل اشتغل معهم بنفسه وأولاده ومماليكه حتى حمل قفة التراب على كتفه، وكانوا لأجل النشاط يستعملون فى كل قسم آلات الطرب، كالمزيكات والمغانى وغبرها، فتم العمل فى عشرة أيام، فكان خليجا طوله ستة آلاف قصبة وستمائة وعرضه من ثلاث قصبات إلى أربع أو أكثر على حسب ارتفاع الأرض وانخفاضها، وفى اليوم الحادى والعشرين من المحرم قام السلطان بعساكره.
وحصل لبلاد البحيرة من الفوائد بسبب هذا العمل الناجح مالا يحصى، وأخصبت أرضها بعد محلها الذى/سببه حرمانها من ماء النيل، وحدثت فى تلك الجهات بلاد كثيرة بسبب ذلك.
وفى خطط المقريزى أيضا فى باب نزول العرب بريف مصر ما نصه، قال الكندى: