للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبعضهم يمشى على قدميه بحذاء ركابه ويقفون أمامه وجعل أوامره تجرى فى جميع الدولة حتى دانت له الرقاب ولم يبلغ أحد ما بلغه.

ولكبره وتعاظمه أوسع فى أبهة الوزارة، وجعل لركوبه موكبا لم يسبق لغيره، فكان إذا أراد الركوب ليصعد القلعة يجتمع ببابه مشد وجميع الدواوين ووالى مصر والقاهرة ومستوفو جميع مصالح المملكة، وكثير من الأمراء والقضاة الأربعة وتوابعهم، فإذا تكامل الجمع يدخل عليه الحاجب فيقول: أدام الله مولانا الصاحب، قد انتظم الجمع فحينئذ يخرج فيركب ويمشى أمامه الناس كل على حسب درجته، ويكون أقرب الناس منه قاضى القضاة الشافعى، وقاضى القضاة المالكى وأمامهم القاضى الحنفى والقاضى الحنبلى وقدامهم مشدو المملكة ثم المستوفون، ثم مشدو الجبايات ويسير هكذا إلى أن يجلس بمجلسه فى قلعة الجبل ويرجع القضاة إلى وظائفهم، ثم فى آخر النهار يركب الجميع القضاة وغيرهم ليأتوا به من القلعة إلى بيته على هذا المنوال وهكذا دائما وينتظرونه ولو تأخر إلى نصف الليل ولكثرة موكبه وضيق الحارة ترك القاهرة وسكن بالقرافة.

وكان متعاظما لا يقوم لأحد ولا يعظم أحدا من الأمراء وإذا طلب أميرا ناداه باسمه مجردا وحقر نائب السلطنة بيدرا وتداخل فى وظائفه، ولميل السلطان إليه كان بيدرا مجبورا على امتثال ذلك كله، مع أن وظيفة النائب فى الدولة التركية كانت وظيفة جليلة أعلى من الوزارة لا يحقر صاحبها، فإن النائب كان يقوم مقام السلطان، وكان صاحبها يسمى ملك الأمراء ونائب الحضرة وكافل الممالك وله النظر فيما يتعلق بالعسكر وأمر المالية والبريد وتحت إمرته جميع أرباب الوظائف فيستقل بترتيبها إلا الوظائف المهمة مثل وظيفة الوزير والقاضى فيتشاور مع السلطان فيمن يعينه ويقبل السلطان رأيه فى ذلك وجميع النواب تخاطبه ويكون فى موكب السلطان على رأس الجيش، وفى رجوعه إلى منزله تحيط به الأمراء لتوصيله فيقدم بهم سماطا واسعا كما يفعل السلطان، ويقف أمامه الحاجب كما يقف هو أمام السلطان، ويقدم له الحاجب العرائض والقضايا فإذا وجد فيها مهما عرضه على السلطان تارة بنفسه، وتارة يرسلها إليه انتهى كترمير عن كتاب مسالك الابصار ولفخامة أمر النيابة كانوا يجعلون لها دارا مخصوصة تسمى دار النيابة.