ففى خطط المقريزى أنه كان فى مصر بقلعة الجبل دار/نيابة بناها الملك المنصور قلاوون فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة سكنها الأمير حسام الدين طرنطاى، ومن بعده من نواب السلطنة وكانت النواب تجلس بشباكها حتى هدمها الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأبطل النيابة وأبطل الوزارة أيضا، فصار موضع دار النيابة ساحة، فلما مات الملك الناصر أعاد الأمير قوصون دار النيابة عند استقراره فى نيابة السلطنة فلم تكمل حتى قبض عليه، فولى نيابة السلطنة الأمير طشتمر حمص أخضر وقبض عليه، فتولى بعده نيابة السلطنة الأمير شمس الدين آق سنقر فى أيام الملك الصالح إسمعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجلس بها فى يوم السبت أول صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة فى شباك دار النيابة، وهو أول من جلس بها من النواب بعد تجديدها وتوارثها النواب بعده.
وكانت العادة أن يركب جيوش مصر يومى الإثنين والخميس فى الموكب تحت القلعة فيسيرون هناك من رأس الصورة إلى باب القرافة ثم تقف العسكر مع نائب السلطنة وينادى على الخيل بينهم وربما نودى على كثير من آلات الجند والخيم والجركاوات والأسلحة وربما نودى على كثير من العقار ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية بالإيوان بالقلعة على ما تقدم ذكره، فإذا مثل النائب فى حضرة السلطان وقف فى ركن الإيوان إلى أن تنقضى الخدمة فيخرج إلى دار النيابة والأمراء معه، ويمد السماط بين يديه كما يمد سماط السلطان، ويجلس جلوسا عاما للناس، ويحضره أرباب الوظائف وتقف قدامه الحجاب وتقرأ القصص وتقدم إليه الشكاة ويفصل أمورهم، فكان السلطان يكتفى بالنائب ولا يتصدى لقراءة القصص عليه وسماع الشكوى تعويلا منه على قيام النائب بهذا الأمر، وإذا قرئت القصص على النائب نظر فإن كان مرسومه يكفى فيها أصدره عنه، وما لا يكفى فيه إلا مرسوم السلطان أمر بكتابته عن السلطان وأصدره، فيكتب ذلك وينسبه فيه على أنه بإشارة النائب ويميز عن نواب السلطان بالممالك الشامية بأن يعبر عنه بكافل المملكة الشريفة الإسلامية، وما كان من الأمور التى لا بدله من إحاطة علم السلطان بها فإنه إما أن يعلمه بذلك منه إليه وقت الاجتماع به، أو يرسل إلى السلطان من يعلمه به ويأخذ رأيه فيه.
وكان أهل ديوان الإقطاع وهم الجيش فى زمن النيابة ليس لهم خدمة إلا عند