تكلم الجند بمصر بينهم فى خلع محمد غضبا للمأمون فبعث، إليهم جابر ينهاهم عن ذلك ويخوفهم عواقب الفتن وأقبل السرى بن الحكيم يدعو الناس إلى خلع محمد، وكان ممن دخل إلى مصر فى أيام الرشيد من جند الليث بن الفضل، وكان خاملا فارتفع ذكره بقيامه فى خلع محمد الأمين.
وكتب المأمون إلى أشراف مصر يدعوهم إلى القيام بدعوته فأجابوه وبايعوا المأمون فى رجب سنة ست وتسعين ومائة ووثبوا بجابر، فأخرجوه وولوا عباد بن محمد فبلغ ذلك محمدا الأمين فكتب إلى رؤساء الحوف بولاية ربيعة بن قيس الجرشى، وكان رئيس قيس الحوف فانقاد أهل الحوف كلهم معه يمنها وقيسها، وأظهروا دعوة الأمين وخلع المأمون وساروا إلى الفسطاط لمحاربة أهلها واقتتلوا فكانت بينهما قتلى، ثم انصرفوا وعادوا مرارا إلى الحرب، فعقد عباد بن محمد لعبد العزيز الجروى وسيره فى جيش ليحارب القوم فى دارهم، فخرج فى ذى القعدة سنة سبع وتسعين ومائة وحاربهم بعمريط فانهزم الجروى ومضى فى قوم من لخم وجذام إلى فاقوس، فقال له:
قومه لم لا تدعو لنفسك فما أنت بدون هؤلاء الذين غلبوا على الأرض فمضى فيهم إلى تنيس فنزلها ثم بعث بعماله يجبون الخراج من أسفل الأرض، فبعث ربيعة بن قيس يمنعه من الجباية وسار أهل الحوف فى المحرم سنة ثمان وتسعين إلى الفسطاط فاقتتلوا وقتل جمع من الفريقين وبلغ أهل الحوف قتل الأمين، فتفرقوا وولى إمرة مصر مطلب بن عبد الله الخزاعى من قبل المأمون فدخلها فى ربيع الأول، وولى عبد العزيز الجروى شرطته ثم عزله وعقد له على حرب أسفل الأرض ثم صرف المطلب، وولى العباس بن موسى بن عيسى فى شوّال فولى عبد العزيز الشرطة فلما ثار الجند وأعادوا المطلب فى المحرم سنة تسع وتسعين هرب الجروى إلى تنيس وأقبل العباس بن موسى ابن عيسى من مكة إلى الحوف فنزل بلبيس ودعا قيسا إلى نصرته ثم مضى إلى الجروى بتنيس فأشار عليه أن ينزل دار قيس، فرجع إلى بلبيس فى جمادى الآخرة وبهامات مسموما فى طعام دسه إليه المطلب على يد قيس، فدان أهل الأحواف للمطلب وتابعوه وسارعوا إلى جب عميرة وسالموه عندما لاقوه، وبعث إلى الجروى يأمره بالشخوص إلى الفسطاط فامتنع من ذلك وسار فى مراكبه حتى نزل شطنوف، فبعث إليه المطلب السرى بن الحكم فى جمع من الجند يسألونه الصلح، فأجابهم إليه ثم اجتهد فى الغدر بهم فتيقظوا له فمضى راجعا إلى بنا فاتبعوه وحاربوه، ثم عاد فدعاهم إلى الصلح