الحميدى وحوض العسيرات وعرابة أبى كريشة، ومن جرجا إلى الجبل الغربى مسافة نحو ثلاث ساعات على جسر البربا: وهى قرية صغيرة بقية بلدة قديمة كانت لها الشهرة هناك قبل ظهور مدينة جرجا، وبجوار البربا من الجهة البحرية قنطرة بخمس عيون تأخذ من ترعة الزرزورية لرى حوض العرابة والعسيرات، ومن البربا إلى الجبل جسر يقسم حوض العربات.
وفى شمال مدينة جرجا ناحية بندار بأكثر من نصف ساعة فيها أبنية مشيدة لعمدتها عيسى أبى سلطان تولى الحكم مدة وفى مقابلة بندار يكون الجبل الشرقى قريبا من البحر فيرد الريح على مدينة جرجا فيغير اعتدال هوائها، وعند العسيرات يقرب الجبل من البحر جدا.
ثم إن فى كثير من كتب التواريخ أن مدينة جرجا كانت من قديم الأزمان محلا لإقامة الصناجق والأمراء وخصوصا العاصين منهم، وكان حاكمها ينزل من القاهرة فيحكم فيها وفى بلاد هوارة المجاورة لها والبعيدة عنها بل كان له التكلم على أهل الواحات القبلية والوادى الكبير الذى فى طريق القافلة السودانية، وفى رأس المائتين بعد الألف كان ذلك الوادى قليل السكان، وكان حاكم جرجا يبعث إليه من طرفه من يحكمه ويجمع أمواله، وكانت قبل ذلك تحت حكم مشايخ العرب كغيرها من بلاد الصعيد.
ففى ابن إياس: إنه لما انكسر السلطان طومان باى فى وقعة المطرية التى كانت بينه وبين ابن عثمان وقتل أكثر عساكره وفر هو بنفسه، صعد فى الجهات القبلية حتى وصل إلى جرجا، والحاكم فيها يومئذ شيخ العرب على بن عمر شيخ هوارة فخرج إلى السلطان طومان باى ومنعه من دخولها ولم يضيفه. وقال له: لا نؤوى من عصى السلطان لئلا نبتلى ببلائه. انتهى، وكان ذلك فى سنة نيف وعشرين بعد التسعمائة.
وقد رأيت فى كتاب لم أقف على اسمه ولا اسم مؤلفه أن أولاد عمر طالت مدة حكمهم بعد ذلك فى بلاد الصعيد، فإن فيه أنه كتب للحكام بالصعيد الأعلى فى أواخر ذى الحجة سنة ٩٨٣ لولاية الباشا سليمن الاقليم ما صورته «صدر هذا المرسوم إلى مفاخر القضاة والحكام معادن الفضل والكلام حكام الشرع الشريف بجرجا والسيوطية وقنا زيدت فضائلهم وأكابر المشايخ المعتبرين والعمال والكتاب والمباشرين