وفى خطط المقريزى ما نصه: اعلم أن الجيزة اسم لقرية كبيرة جميلة البنيان على النيل من جانبه الغربى تجاه مدينة الفسطاط لها فى كل يوم أحد سوق عظيم يجئ إليه من النواحى أصناف كثيرة جدا ويجتمع فيه عالم عظيم، وبها عدة مساجد جامعة.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن ثابت الخطيب من حديث نبيط بن شريط قال: قال رسول الله ﷺ«الجيزة روضة من رياض الجنة ومصر خزائن الله فى أرضه» ويقال إن مسجد التوبة الذى بالجيزة كان فيه تابوت موسى ﵇ الذى قذفته أمه فيه بالنيل، وبها النخلة التى أرضعت مريم تحتها عيسى فلم يثمر غيرها.
وقال ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبى حبيب استحبت همدان ومن والاها الجيزة فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب ﵄ يعلمه بما صنع الله للمسلمين، وما فتح عليهم وما فعلوا فى خططهم وما استحبت همدان من النزول بالجيزة فكتب إليه عمر يحمد الله على ما كان من ذلك ويقول له «كيف رضيت أن تفرق أصحابك، لم يكن ينبغى لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر ولا تدرى ما يفجؤهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره فأجمعهم إليك فإن أبوا عليك وأعجبهم موضعها بالجيزة وأحبوا ما هنالك فابن عليهم من فئ المسلمين حصنا»، فعرض عليهم عمرو ذلك فأبوا وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم يافع وغيرها وأحبوا ما هنالك، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن فى الجيزة فى سنة إحدى وعشرين وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين.
ويقال إن عمرو بن العاص لما سأل أهل الجيزة أن ينضموا إلى الفسطاط قالوا:
مقدم قدمناه فى سبيل الله ما كنا لنرحل منه إلى غيره، فنزلت يافع الجيزة فيهم مبرح ابن شهاب وهمدان وذو أصبح فيهم أبو شمر بن أبرهة وطائفة من الحجر.
وقال القضاعى ولما رجع عمرو بن العاص من الإسكندرية ونزل الفسطاط جعل طائفة من جيشه بالجيزة خوفا من عدوّ يغشاهم من تلك الناحية فجعل فيها آل ذى أصبح من حمير وهم كثير، ويافع بن زيد من رعين وجعل فيها همدان وجعل فيها طائفة من الأزديين بنى الحجر بن الهبو بن الأزد وطائفة من الحبشة وديوانهم فى الأزد فلما استقر عمرو فى الفسطاط أمر الذين خلفهم بالجيزة أن ينضموا إليه فكرهوا ذلك