وقالوا: هذا مقدم قدمناه فى سبيل الله وأقمنا به، ما كنا بالذين نرغب عنه ونحن به منذ أشهر.
فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب ﵄ بذلك يخبره أن همدان وآل ذى أصبح ويافعا ومن كان معهم أحبوا المقام بالجيزة فكتب إليه:«كيف رضيت أن تفرق عنك أصحابك، وتجعل بينك وبينهم بحرا لا تدرى ما يفجؤهم فلعلك لا تقدر على غياثهم فأجمعهم إليك ولا تفرقهم فإن أبوا وأعجبهم مكانهم فابن عليهم حصنا من فئ المسلمين» فجمعهم عمرو وأخبرهم بكتاب عمر فامتنعوا من الخروج من الجيزة فأمر عمرو ببناء الحصن عليهم فكرهوا ذلك وقالوا: لا حصن أحصن لنا من سيوفنا وكرهت ذلك همدان ويافع فأقرع عمرو بينهم فوقعت القرعة على يافع فبنى فيهم الحصن فى سنة إحدى وعشرين وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين، وأمرهم عمرو بالخطط بها فاختط ذو أصبح من حمير من الشرق ومضوا إلى الغرب حتى بلغوا أرض الحرث والزرع وكرهوا أن يبنى الحصن فيهم، واختط يافع بن الحارث من رعين بوسط الجيزة وبنى الحصن فى خططهم.
وخرجت طائفة منهم عن الحصن أنفة منه واختط بكيل بن جشم بن نوف من همدان فى مهب الجنوب من الجيزة فى شرقيها، واختطت حاشد بن جشم بن نوف فى مهب الشمال من الجيزة فى غربيها، واختطت الجياوية بنو عامر بن بكيل فى قبلى الجيزة واختطت بنو حجر بن أرحب بن بكيل فى قبلى الجيزة، واختطت بنو كعب بن مالك بن الحجر بن الهبو بن الأزد فيما بين بكيل ويافع والحبشة اختطوا على الشارع الأعظم، انتهى.
وقال فى الكلام على البقط أنه فى أيام أمير المؤمنين المعتصم بالله أبى إسحق الرشيد أخذ لكبير النوبة زكريا بن بخنس دار/بالجيزة وسبب ذلك أن النوبة كانوا لا يزالون يؤدون البقط للمسلمين فى كل سنة إلى أيام أمير المؤمنين المعتصم، وكانت النوبة ربما عجزت عن دفعه فشنت الغارة عليهم ولاة المسلمين القريبون من بلادهم ومنعوا أن يخرج إليهم الجهاز الذى كان يبعث إليهم من الحبوب قمحا وشعيرا وعدسا وثيابا وخيلا فأنكر فيرقى ولد كبيرهم زكريا على أبيه بذله الطاعة لغيره واستعجزه فيما يدفع من البقط، فقال له أبوه: فما تشاء قال عصيانهم ومحاربتهم،