قال أبوه: هذا شئ رآه السلف من آبائنا صوابا وأخشى أن يفضى هذا الأمر إليك فتقدم على محاربة المسلمين، غير أنى أوجهك إلى ملكهم رسولا فأنت ترى حالنا وحالهم، فإن رأيت لنا بهم طاقة حاربناهم على خبرة وإلا سألته الإحسان إلينا فشخص فيرقى إلى بغداد وكانت البلدان تزين له ويسير على المدن وانحدر بانحداره رئيس البجة بأسبابه ولقيا المعتصم، فنظرا إلى ما بهرهما من حال العراق فى كثرة الجيوش وعظم العمارة مع ما شاهداه فى طريقهما فقرب المعتصم فيرقى وأدناه وأحسن إليه إحسانا تاما وقبل هديته، وكافأه بأضعافها وقال له: تمنّ ما شئت فسأله فى إطلاق المحبوسين فأجابه إلى ذلك وكبر فى عين المعتصم ووهب له الدار التى نزلها بالعراق، وأمر أن يشترى له فى كل منزل من طريقه دار تكون لرسلهم فإنه امتنع من دخول دار لأحد فى طريقه فأخذ له بمصر دارا بالجيزة وأخرى ببنى وائل، وأجرى لهم فى ديوان مصر سبعمائة دينار وفرسا وسرجا ولجاما وسيفا محلى وثوبا مثقلا وعمامة من الخز، وقميص شرب ورداء شرب، وثيابا لرسله غير محدودة عند وصول البقط إلى مصر، ولهم حملان وخلع على المتولى لقبض البقط وعليهم رسوم معلومة لقابض البقط والمتصرفين معه وما يهدى إليهم بعد ذلك فغير محدود وهو عندهم هدية يجازون عليها.
والبقط هو ما يقبض من سبى النوبة فى كل عام ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم، وكان يؤخذ منهم فى قرية يقال لها القصر مسافتها من أسوان خمسة أميال فيما بين بلاق وبلد النوبة وكان القصر فرضة لقوص، وأول ما تقرر هذا البقط على النوبة فى إمارة عمرو بن العاص سنة عشرين وقيل سنة إحدى وعشرين.
وعن أبى خليفة حميد بن هشام البحترى أن الذى صولح عليه النوبة ثلاثمائة وستون رأسا لفئ المسلمين، ولصاحب مصر أربعون رأسا، ويدفع ألف أردب قمحا، ولرسله ثلاثمائة أردب ومن الشعير كذلك، ومن الخمر ألف اقتيز للمتملك ولرسله ثلثمائة اقتيز وفرسين من نتاج خيل الإمارة ومن أصناف الثياب مائة ثوب ومن القباطى أربعة أثواب للمتملك ولرسله ثلاثة ومن البقطرية ثمانية أثواب (نسبة إلى بقطر قرية بحرى دمنهور) ومن المعلمة خمسة أثواب وجبة مجملة للملك، ومن قمص أبى بقطر عشرة أثواب ومن أجاص عشرة أثواب وهى ثياب غلاظ وقد أطال