فرعون مصر بسماتيكوس كانت حصنا منيعا لمنع تعدى النوبيين على أرض مصر، وكانت مدينة دفنة والطينة حصنا لمنع تعدى العرب والشوام، وكانت مريوط حصنا لمنع تعدى بلاد الليبيا وما والاها، وكان بالحصون المذكورة على الدوام عساكر للمحافظة، وكانوا فى زمن هذا الفرعون مائتى ألف عسكرى من المصريين على ما ذكره هيردوط.
وقال: إنه بسبب تركهم مدة ثلاث سنين مقيمين بهذه الحصون بلا تغيير اتفقوا جميعا على مفارقة هذا الفرعون وتركوا أرض مصر وارتحلوا عنها جميعا فلما علم بذلك أرسل وراءهم يستعطفهم ويلتمس رجوعهم إلى أوطانهم وعيالهم ونسائهم فلم يقبلوا وكشفوا عن مذاكيرهم، وقالوا: «ما دام هذا موجودا يعنون القبل نأتى بأولاد غيرهم وساروا حتى نزلوا بلاد النوبة فسموا هناك باسم أوتومول-كلمة لاتينية بمعنى المهاجرين برغبتهم.
وقال استرابون: إنهم سمو اسبريت يعنى الأغراب وكان سكناهم فى أرض التنيزى وكان حاكمها امرأة هى وجزيرة مروية التى فى غربيها.
وقال بعض من فسر كتابى هيردوط واسترابون أن السبريت كانوا غير الأتومول لأن السبريت كان قد طردهم الفرعون بسماتيكوس وأما الأتومول ففارقوا مصر برغبتهم وأن السبريت سكنوا جزيرة مروية والآخرون كانوا على بعد منها بستة وخمسين يوما ووفق بعضهم بين القولين، فقال: إنه لا يبعد أن العساكر خرجوا على مرتين فى مدة هذا الفرعون المرة الأولى هاجروا بأنفسهم طائعين وسكنوا فى مبدأ الأمر بعيدا عن مروية، والمرة الثانية خرجوا مطرودين فسكنوا مروية وفى الزمن الذى بين هيردوط واسترابون تنقلوا إلى أن تجاوروا فى البلاد.
وذكر ديودور الصقلى لمفارقتهم أرض مصر سببا غير هذا فقال: إن بسماتيكوس هذا جيش العساكر وقصد بلاد الشام فجعل العساكر الأغراب فى الجناح الأيمن وجعل المصريين فى الجناح الأيسر على خلاف العادة القديمة فرأوا أن ذلك تحقير لهم واغتاظوا غيظا شديدا، وكانوا أكثر من مائتى ألف عسكرى فارتحلوا إلى بلاد النوبة فأرسل وراءهم بعض الرؤساء يسترضيهم ويعتذر لهم، فلم يقبلوا فتبعهم الملك بنفسه إلى آخر حدود مصر وذكرهم بمعابدهم وأوطانهم ونسائهم وذراريهم ففى آن