للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبى مليكة رأيت عبد العزيز بن مروان حين حضره الموت يقول: ألا ليتنى لم أكن شيئا مذكورا ألا ليتنى كنباتة من الأرض أو كراعى إبل فى طرف الحجاز ولما مات لم يوجد له مال فاض إلا سبعة آلاف دينار، وحلوان والقيسارية وثياب بعضها مرقوع وخيل ورقيق، وكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما ولم يلها فى الإسلام قبله أطول ولاية منه.

وكان بحلوان فى النيل معدّية من صوّان تعدى بالخيل تحمل فيها الناس وغيرهم من البر الشرقى بحلوان إلى البر الغربى، وهذا من الأسرار التى فى الخليقة فإن جميع الأجسام المعدنية كالحديد والنحاس والفضة والرصاص والذهب والقصدير إذا عمل من شئ منها إناء يسع من الماء أكثر من وزنه فإنه يعوم على وجه الماء ويحمل ما يمكنه ولا يغرق، انتهى.

وقد بقيت حلوان بعد ذلك مدة رافلة فى حلل الرفاهية وكان حولها كنائس ودير للنصارى، وفى خطط المقريزى أيضا أن الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون لما قدم مصر سنة سبع عشرة ومائتين نزل الفسطاط وسخا وحلوان وقفط، وكانت إقامته فى الجميع تسعة وأربعين يوما وكان دخوله مصر لعشر خلون من المحرم، وكانت المدة بين قدومه إليها وابتداء عمارتها فى مدة عبد العزيز نحو مائة وسبع وعشرين سنة، وفى كتاب تحفة الأحباب للسخاوى، أن المأمون لما نزل الفسطاط كان يقيم بقبة الهواء وهى فى محل قلعة الجبل الآن، وهى التى أنشأها الأمير حاتم حاكم مصر من قبل الأمين فى أيام ولايته، وذلك فى جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة ولما جلس المأمون بهذه القبة نظر إلى خراب مصر وتغير أحوالها، وقال لعن الله فرعون حيث يقول ﴿أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ (١) فلو رأى العراق وخصبها، وكان بحضرته عالم مصر سعيد ابن عفير فقال يا أمير المؤمنين: لا تقل هذا فإن الله قال: ﴿وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (٢) فما ظنك يا أمير المؤمنين بشئ دمره الله وهذا بقيته فأعجبه مقالته ووصل إلى قفط من صعيد مصر ورأى بها من العجائب ما بهره وفتح الأهرام بالجيزة، وأمر ببناء مقياس بمصر فبنى ثم هدم ولم


(١) الزخرف آية:٥١.
(٢) سورة الأعراف آية ١٣٧.