يبق له أثر والناس ينسبون له المقياس الموجود الآن وليس هذا بصحيح، فإن الذى أنشأه المتوكل على الله أبو العباس جعفر بن المعتصم ابن أمير المؤمنين هرون الرشيد سنة سبع وأربعين ومائتين.
ويحكى أن المأمون لما وصل إلى مصر بلغه أن المعافريين وهم قبيلة من العرب نزلت بمصر لا يعرفون العدد ولا الكيل ولا الوزن وأنهم على هيئة البله لعزلتهم عن الناس وعدم اختلاطهم بهم، فأرسل يقترض منهم ألف دينار فلما جاءهم الرسول قالوا له: لا نقدر على ألف دينار نحن ندفع ما نقدر عليه فجمعوا ألوفا كثيرة، وقالوا للرسول: قل له والله ما نقدر إلا على هذا وما وصلت القدرة إلى ألف دينار، فلما جاء الرسول ومعه المال وأخبره بقصتهم وما جرى له معهم تعجب المأمون من ذلك ورد عليهم المال وقال: والله ما قصدت إلا أن أطلع على بلههم، ولهم مقبرة بمصر تعرف بهم ا. هـ.
وقال المقريزى أيضا عند ذكر مياه قلعة الجبل لما كانت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عزم الملك الناصر على حفر خليج من ناحية حلوان إلى الجبل الأحمر المطل على القاهرة يسوق الماء إلى الميدان الذى عمله بالقلعة، ويكون حفر الخليج فى الجبل فنزل لكشف ذلك ومعه المهندسون فجاء قياس الخليج طولا اثنين وأربعين ألف قصبة فيمر الماء فيه من حلوان حتى يحاذى القلعة، فإذا حاذاها بنى هناك خبايا تحمل الماء إلى القلعة ليصير الماء بها غزيرا كثيرا دائما صيفا وشتاء لا ينقطع ولا يتكلف لحمله ونقله، ثم يمر من محاذاة القلعة حتى ينتهى إلى الجبل الأحمر فيصب من أعلاه إلى تلك الأرض حتى تزرع وعند ما/أراد الشروع فى ذلك طلب الأمير سيف الدين قطلو بك ابن قرا سنقر الجاشنكير أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق بعد ما فرغ من بناء القناة وساق العين إلى القدس، فحضر ومعه الصناع الذين عملوا قناة عين بيت المقدس على خيل البريد إلى قلعة الجبل، فأنزلوا ثم أقيمت لهم الجرايات والرواتب، وتوجهوا إلى حلوان ووزنوا مجرى النيل، وعادوا إلى السلطان وصوّبوا رأيه فيما قصد والتزموا بعمله فقال: كم تريدون. قالوا ثمانين ألف دينار فقال ليس بكثير، فقال: كم تكون مدة العمل فيه حتى يفرغ قالوا عشر سنين، فاستكثر طول المدة وصرف رأيه عن ذلك انتهى.