بنكات لو ندرة بفلس حصل فيه أوجب تأخره، فلم يبق له إلا ما يكفى معاش العيال، فرأيته حزينا كاسف البال، فسألته فأخبرنى بما وقع متأسفا ظانا بى أن أقطع حبل الوفاء لعدم قدرته على دفع الماهية، فأجبته:«لا تتفكر فى هذه القضية فسترى منى ما يسرّك بالكلية».
وما زلت أوافيه على العادة التى كانت بيننا معتادة، بل زدت على ما كان، فشكرنى على هذا الإحسان، حتى قيض الله له ناسا من محسنى أهل لو ندرة ذوى ثروة معتبرة، فوضعوا له فى البنك ما يرد منه ما يكفيه، فأجرى إلىّ ثانيا ما كان يجريه، وواسانى ببعض تحف غوال على مواساتى له فى سوء الأحوال، على أنى كنت فى لذة إكتساب معارف من هذا/المجلس اليومى وهى عندى ألذ من العوارف.
ومما اتفق لى قبل نكبته المذكورة نكبة تحاكيها فى الصورة: وذلك أنه كان عندى أربعة عشر كيسا من جنس الخيرية جمعتها لأشترى بها بيتا أسكن فيه أنا والذرية فسرقت منى، فلما بان له حالى بالسؤال دمعت عيناه لأجلى فى الحال وحلف بشرفه لو كان غنيا لسار لى بها مليا لأنه كان رقيق الفؤاد خالص الوداد، لا يعتبر مغايرة الدين بين العباد، لكن بحمد الله معبودى تحصلت على مقصودى بعد السرقة بثلاثة شهور، فاشتريت لأجل مقدور بيتا بعشرة أكياس وان كان فيه بالنسبة لاحتياجى قصور فبعت فيه ما يساوى ثمنه أربعة أكياس وكسور وسددت الباقى بعد سنة على التدريج بالاقتصاد والتدبير، فسبحان اللطيف الخبير ما أخذ منك إلا ليعطيك، وما أمرضك إلا ليغفر لك أو يأجرك، ومن فوّض الأمر إلى مولاه كفاه ما أهمه، وربما كانت النقمة نعمة.
ومن الاتفاق النادر الجدير بأن يسطر فى الدفاتر أن هذا الرجل ذا الغيرة الإنسانية كانت له أخت، وزوجة رومية كلتاهما فى غاية الصيانة والحرية متهيئتان بهيئة المصريات لا تخرجان إلا مؤتزرتين بالحبرات مستورتى المحيا متبرقعتين. والله ما وقع بصرى عليهما سافرتين مكشوفتى المحيا، ولا لمحت لوجودهما زيا مع طول التودد وكثرة التردد.
وكانتا تترددان على بيت الست المصونة ذات الحشمة والجوهرة المكنونة ذات