مملوك السلطان مصطفى، ولا يخفى الميل إلى الجنسية. واتفق أن سليمان أغا- تابع صالح بيك الوكيل-الذى كان مملوكا ليوسف باشا الوزير قلده سلحدارا، وأرسله إلى إسلامبول، فسأله الوزير عن المصريين، «هل بقى منهم غير الألفى»؟ فقال له:«جميع الرؤساء موجودون» وعدهم له، فقال:«إنى أرى رجوعهم إلى شروط نشترطها عليهم، أولى من تمادى العداوة بينهم وبين غيرهم، فما رأيك فى ذلك؟» فقال له سليمان أغا: «لا رأى عندى فى ذلك خوفا منه»، فحلف له الوزير أن كلامه وخطابه على ظاهرة وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة، فقال سليمان أغا:«إذا كان كذلك ابعثوا إلى الألفى بإحضار كتخداه محمد أغا لأنه رجل يصلح للمخاطبة فى مثل ذلك»، ففعل. وحضر المذكور فى أقرب وقت، وتمموا الأمر على ألف وخمسائة كيس تكفل بها محمد أغا، المذكور، يدفعها القبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا بعد إتمام الشروط التى قررها له مخدومه، ومن جملتها:
إطلاق بيع المماليك وشرائهم، وجلب الجلابة لهم إلى مصر كعادتهم، فإنهم منعوا ذلك منذ ثلاث سنين. وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخداى بصحبة قبطان باشا، حتى طلعوا على ثغر إسكندرية، فركبا صحبة القبطان، وتلاقوا مع المترجم وأعلموه بما حصل، فامتلأ فرحا وسرورا. وقال لسليمان أغا:«اذهب إلى إخواننا بقبلى واعرض الأمر عليهم، ولا يخفى أننا الأن ثلاث فرق، كبيرنا إبراهيم بك وجماعته، والمرادية وكبيرهم عثمان بيك البرديسى، وأنا وأتباعى، فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس، فإذا استلمت منهم الألف كيس، فارجع إلىّ اسلمك خمسمائة كيس».
فركب، المذكور، وذهب إليهم وأخبرهم بصوره الواقعة وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسى:«حيث إن الألفى بلغ من قدره أن يخاطب الدولة والقرانات، ويراسلهم ويتمم أغراضه منهم، ويولى الوزراء ويعزلهم بمراده، ويتعين قبطان باشا فى حاجته، فهو يدفع المبلغ بتمامه لأنه صار الآن هو الكبير ونحن الجميع أتباعه».
فقال سليمان أغا:«هو على كل حال رجل منكم وأخوكم». ثم إنه اختلى مع إبراهيم بيك الكبير، وتكلم معه. فقال إبراهيم بيك:«أنا أرضى بدخولى أى بيت كان وأعيش ما بقى من عمرى مع عيالى وأولادى، تحت إمارة من كان من عشيرتنا، أولى من هذا الشتات الذى نحن فيه».