وحيث أنهم متنافرون ومتباغضون فلا خير فيهم، وصاحبك هذا لا يكفى فى المقاومة وحده، ويحتاج إلى المعاونة وهى لا تكون إلا بكثرة المصاريف».
فعند ذلك ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبطان، وخاف على نفسه أن يبطش به، وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم، فقال:
«السلحدار عند الألفى بالجيزة». فقال له:«اذهب فأتنى به، واحضر أنت معه».
وكان موسى باشا-المتولى-قد حضر فما صدق سليمان أغا «أن يقول له ذلك، إلا وقد ركب فى الوقت وخرج من الإسكندرية، فلما بعد عنها مقدار غلوة قابل السلحدار قادما إلى الإسكندرية، فسأله: إلى أين تذهب؟. فقال: إن مخدومك أرسلنى فى شغل وها أنا راجع إليكم»، وذهب إلى المترجم ولم يرجع.
وفى أثناء هذه الأيام كان-المترجم-يحارب بدمنهور، وجاءته التجريدة العظيمة التى جمعت عساكر الأرنؤط والأتراك وعساكر المغاربة، فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى ألقوا بأنفسهم فى البحر. ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته، وسافر القبطان وموسى باشا من ثغر الإسكندرية-على الصورة المذكورة-.
استأنف المترجم أمرا آخر وأرسل إلى الإنكليز يلتمس منهم المساعدة، وأن يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على المحاربة، كما التمس منهم فى العام الماضى، فاعتذروا له بأنهم اصطلحوا مع العثمانية، وليس فى قانون الملوك إذا كانوا مصطلحين أن يتعدوا على المصادقين، ولا يوجهوا نحوهم عساكر إلا بإذن منهم أو بالتماس المساعدة فى أمرمهم، فغاية ما يكون المكالمة والترجى. ففعلوا-وحصل ما تقدم ذكره-، ولم يتم الأمر، ولما خاطبهم بعد الذى جرى صادف ذلك وقوع الفتنة بينهم وبين العثمانية، فأرسلوا إلى المترجم يعدونه بإرسال ستة آلاف لمساعدته، فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة أشهر، وكان ذلك أوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات، فضاقت على جيوشه الناحية، وطال انتظاره للانكليز، فشكا العرب المجتمعون عليه وغيرهم شدة ما هم فيه من الجهد، وفى كل وقت يعدهم بالفرج، ويقول لهم:
«اصبروا ولم يبق إلا القليل». فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا إليه، وقالوا له:«إما أن تنتقل معنا إلى ناحية قبلى، فإن أرض الله واسعة، وإما أن تأذن لنا فى الرحيل فى طلب القوت». فما وسعه إلا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر فى بلوغ مآربه لأمور: