للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما علم الفرنج بموت السلطان خرجوا من دمياط بفارسهم وراجلهم وشوانيهم تحاذيهم فى البحر حتى نزلوا فارسكور يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، فورد فى يوم الجمعة من الغد كتاب إلى القاهرة من العسكر أوله: ﴿اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (١)، وفيه مواعظ بليغة بالحث على الجهاد، فقرئ على منبر جامع القاهرة، وقد جمع الناس لسماعه، فارتجت القاهرة ومصر وظواهرهما بالبكاء والعويل، وأيقن الناس باستيلاء الفرنج على البلاد لخلو الوقت من ملك يقوم بالأمر، ولكنهم لم يهنوا، وخرجوا من القاهرة ومصر وسائر الأعمال فاجتمع عالم عظيم.

فلما كان يوم الثلاثاء أول شهر رمضان، اقتتل المسلمون والفرنج، فاستشهد العلائى أمير مجلس وجماعة، ونزل الفرنج شارمساح، وفى يوم الأثنين سابعه نزلوا البرمون، فاضطرب الناس وزلزلوا زلزالا شديدا لقربهم من العسكر، وفى يوم الأحد ثالث عشره وصلوا تجاه المنصورة، وصار بينهم وبين المسلمين بحر أشموم وخندقوا عليهم، وأداروا على خندقهم سورا ستروه بكثير من الستائر، ونصبوا المجانيق ليرموا بها المسلمين، وصارت شوانيهم بإزائهم فى بحر النيل، وشوانى المسلمين بإزاء المنصورة، والتحم القتال برا وبحرا. وفى سادس عشره نفر إلى المسلمين ستة خيالة أخبروا بمضايقة الفرنج. وفى يوم عيد الفطر أسروا من الفرنج كند من أقارب الملك، وأبلى عوام المسلمين فى قتال الفرنج بلاء كبيرا وأنكوهم نكاية عظيمة، وصاروا يقتلون منهم فى كل وقت ويأسرون، ويلقون أنفسهم فى الماء ويمرون فيه إلى الجانب الذى فيه الفرنج ويتحيلون فى اختطاف الفرنج بكل حيلة ولا يهابون الموت، حتى أن إنسانا قوّر بطيخة وحملها على رأسه وغطس فى الماء حتى حاذى الفرنج فظنه بعضهم بطيخة ونزل ليأخذها فخطفه وأتى به إلى المسلمين. وفى يوم الأربعاء سابع شوال أخذ المسلمون شونة للفرنج فيها كند ومائتا رجل.

وفى يوم الخميس النصف منه، ركب الفرنج إلى بر المسلمين، واقتتلوا، فقتل منهم أربعون فارسا، وسير فى عدة إلى القاهرة بسبعة وستين أسيرا، منهم ثلاثة من أكابر الدوادارية.


(١) سورة التوبة، آية ٤١