للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم الخميس الثانى والعشرين منه، أحرقت للفرنج مرمة عظيمة فى البحر واستظهر المسلمون عليهم، وكان بحر أشوم فيه مخايض، فدل بعض من لا دين له ممن يظهر الإسلام الفرنج عليها، فركبوا سحر يوم الثلاثاء خامس ذى القعدة أو رابعه، ولم يشعر المسلمون بهم إلا وقد هجموا على العسكر، وكان الأمير فخر الدين قد عبر إلى الحمام، فأتاه الصريخ بأن الفرنج قد هجموا على العسكر، فركب دهشا غير معتدّ ولا متحفظ، وساق ليأمر الأمراء والأجناد بالركوب فى طائفة من مماليكه، فلقيه عدة من الفرنج الدوادارية وحملوا عليه، ففر أصحابه، وأتته طعنة فى جنبه وأخذته السيوف من كل جانب، حتى لحق بالله ﷿، وفى الحال عدّت مماليكه فى طائفة إلى داره، وكسروا صناديقه وخزائنه ونهبوا أمواله وخيوله. وساق الفرنج عند مقتل الأمير فخر الدين إلى المنصورة، وفر المسلمون خوفا منهم وتفرقوا يمنة ويسرة، وكادت الكسرة أن تكون وتمحو الفرنج كلمة الإسلام من أرض مصر. وصل الملك روّاد فرنس إلى باب قصر السلطان، ولم يبق إلا أن يملكه، فأذن الله تعالى أن طائفة المماليك من البحرية والجمدارية-الذين استجدهم الملك الصالح-ومن جملتهم بيبرس البندقدارى حملوا على الفرنج حملة صدقوا فيها اللقاء حتى أزاحوهم عن مواقفهم، وأبلوا فى مكافحتهم بالسيوف والدبابيس، فانهزموا. وبلغت عدة من قتل من فرسان الفرنج الخيالة فى هذه النوبة ألفا وخمسمائة فارس، وأما الرجالة فإنها كانت وصلت إلى الجسر لتعدى، فلو تراخى الأمر حتى صاروا مع المسلمين لأعضل الداء، على أن هذه الواقعة كانت بين الأزقة والدروب، ولولا ضيق المجال لما أفلت من/الفرنج أحد، فنجا من بقى منهم، وضربوا عليهم سورا وحفروا خندقا، وصارت طائفة منهم فى البر الشرقى، ومعظمهم فى الجزيرة المتصلة بدمياط.

وكانت البطاقة عند الكبسة سرحت على جناح الطير إلى القاهرة، فانزعج الناس انزعاجا عظيما، ووردت السوقة وبعض العسكر، ولم تغلق أبواب القاهرة ليلة الأربعاء. وفى يوم الأربعاء سقط الطائر بالبشارة بهزيمة الفرنج، وعدة من قتل منهم، فزينت القاهرة وضربت البشائر بقلعة الجبل.

وسار المعظم توران شاه إلى دمشق، فدخلها يوم السبت آخر شهر رمضان،